على أنّا نجد هذه النسبة مختلفة بالقرب والبعد ، والشدّة والضعف ، فالنطفة أقرب إلى الحيوان من الغذاء ، وإن كانا مشتركين في إمكان أن يصيرا حيوانا. والقرب والبعد والشدّة والضعف أوصاف وجوديّة لا يتّصف بها إلّا موجود ، فالنسبة المذكورة موجودة لا محالة (١).
وكلّ نسبة موجودة فإنّها تستدعي وجود طرفيها في ظرف وجودها ، لضرورة قيامها بهما وعدم خروج وجودها من وجودهما وكون أحد طرفي النسبة للآخر (٢). وقد تقدّم بيان ذلك كلّه في مرحلة انقسام الوجود إلى ما في نفسه وما في غيره (٣).
وإذا كان المقبول بوجوده الخارجيّ (٤) ـ الّذي هو منشأ لترتّب آثاره عليه ـ غير موجود عند القابل ، فهو موجود عنده بوجود ضعيف لا يترتّب عليه جميع آثاره.
وإذ كان كلّ من وجوديه الضعيف والشديد هو هو بعينه فهما واحد. فللمقبول
__________________
ـ بطرف واحد دائما ، بل بوجود واحد متّصل سيّال على الحركة الجوهريّة. فليس لازم تبدّل جوهر إلى جوهر آخر أن تكون بينهما نسبة موجودة ثابتة ، فإنّ النسبة قائمة بالطرفين وليس هناك إلّا وجود واحد سيّال.
(١) ويمكن منع ذلك ، بأنّ في كلّ ما بالفعل خصوصيّة بها يصلح أن يتبدّل إلى شيء آخر ما لم يكن مانعا من التبدّل. وبعبارة اخرى : أنّ لكلّ ما بالفعل خصوصيّة تهيّؤها للتبدّل إلى شيء آخر بعد ارتفاع الموانع. فللنطفة خصوصيّة بها يصلح أن يصير حيوانا كما أنّ للغذاء خصوصيّة بها يصلح أن يصير حيوانا ، غاية الأمر يختلف التبدّل قربا وبعدا باعتبار قلّة الموانع وكثرتها ، وهذا لا يدلّ على وجود النسبة العينيّة.
(٢) أورد عليه بعض الأساتيذ من تلامذة المصنّف رحمهالله من وجوه ، الأوّل : أنّ النسبة أمر اعتباريّ عقليّ. الثاني : ربما يعتبر النسبة بين موجود ومعدوم كنسبة الأمس إلى اليوم. الثالث : يمنع اقتضاء النسبة كون وجود أحد الطرفين للغير. راجع تعليقة على نهاية الحكمة : ٢٨٦.
(٣) راجع الفصل الأوّل من المرحلة الثانية.
(٤) أي : بوجوده الفعليّ. فالمراد من الوجود الخارجيّ هو مقابل الوجود بالقوّة لا مقابل الوجود الذهنيّ.