الفصل الثاني
في اتّحاد العالم بالمعلوم
وهو المعنون عنه باتّحاد العاقل بالمعقول (١)
__________________
(١) نصّ الشيخ الرئيس في أكثر كتبه على إبطال القول باتّحاد العاقل بالمعقول ، كما في الفصل السادس من المقالة الخامسة من الفنّ السادس من طبيعيّات الشفاء ، وشرح الإشارات ٣ : ٢٩٢ ـ ٢٩٣. ولكن قد قرّر هذا القول وأقام الحجّة عليه في كتاب المبدأ والمعاد : ص ٦ ـ ١٠ ، والرسالة العرشيّة : ٨. وقال صدر المتألّهين ـ بعد التعرّض لما قال الشيخ الرئيس في كتاب المبدأ والمعاد ـ : «ولست أدري هل كان ذلك على سبيل الحكاية لمذهبهم لأجل غرض من الأغراض أو كان اعتقاديّا له لاستبصار وقع له من إضاءة نور الحقّ من افق الملكوت». راجع الأسفار ٣ : ٣٣٥.
وأقول : الظاهر أنّه أراد أن يفرّق بين علم الواجب بغيره وعلمنا بغيرنا ، بأنّ الاتّحاد مختصّ بعلم الواجب بغيره ، كما هو الظاهر ممّا ذكره في المبدأ والمعاد والرسالة العرشيّة ، وأمّا في علمنا بغيرنا فلا ، كما هو الظاهر من كلامه في سائر كتبه. وصرّح باختصاص الاتّحاد بعلم الواجب بغيره في التعليقات : ١٥٩ حيث قال : «كلّ ما يعقل ذاته فإنّه هو العقل والعاقل والمعقول ، وهذا الحكم لا يصحّ إلّا في الأوّل». وقال أيضا : «أمّا ما يقال : إنّا إذا عقلنا شيئا فإنّا نصير ذلك المعقول فهو محال».
وأوّل من ذهب إلى اتّحاد العاقل بالمعقول هو فرفوريوس من المشّائين. قال الشيخ الرئيس في النمط السابع من الإشارات : «وكان لهم رجل يعرف بفرفوريوس عمل في العقل والمعقولات كتابا يثني عليه المشّاؤون ، وهو حشف كلّه».