ثمّ إنّ مجعول العلّة والأثر الّذي تضعه في المعلول (١) هو إمّا وجود المعلول أو ماهيّته أو صيرورة ماهيّته موجودة (٢). لكن يستحيل أن يكون المجعول هو الماهيّة لما تقدّم أنّها اعتباريّة (٣) والّذي يستفيده المعلول من علّته (٤) أمر أصيل ؛ على أنّ العلّيّة والمعلوليّة رابطة عينيّة خاصّة بين المعلول وعلّته ، وإلّا لكان كلّ شيء علّة لكلّ شيء ، وكلّ شيء معلولا لكلّ شيء ، والماهيّة لا رابطة بينها في ذاتها (٥) وبين غيرها. ويستحيل أن يكون المجعول هو الصيرورة ، لأنّ الأثر العينيّ الأصيل حينئذ هو الصيرورة الّتي هي أمر نسبيّ قائم بطرفين ، والماهيّة ووجودها
__________________
(١) لا يخفى عليك أنّ هذا البيان يناسب القول بأصالة الماهيّة ، حيث فرض أنّ للمعلول ثبوت مّا وتضع العلّة فيه الأثر ، والحقّ أنّ المعلول نفسه أثر العلّة لا أثره. فالأولى أن يقال : «ثمّ إنّ مجعول العلّة وأثرها إمّا وجود المعلول أو ...».
(٢) فالأقوال في مجعول العلّة ثلاثة :
الأوّل : أنّ مجعولها ماهيّة المعلول.
الثاني : أنّ مجعولها وجود المعلول.
الثالث : أنّ مجعولها صيرورة ماهيّة المعلول موجودة.
أمّا الأوّل ، فذهب إليه الإشراقيّون. قال الشيخ الإشراقيّ : «ولمّا كان الوجود اعتبارا فللشيء من علّته الفيّاضة هويّته» راجع شرح حكمة الإشراق : ٤١٦. ونسب هذا القول إلى المحقّق الدوانيّ أيضا ، فراجع الأسفار ١ : ٤٠٧ ـ ٤٠٨.
وأمّا الثاني والثالث ، فذهب إليهما الحكماء المشّائيون. قال الحكيم السبزواريّ في شرح المنظومة : ٥٨ : «لكن محقّقوهم مشوا إلى جانب مجعولية الوجود ، وغيرهم إلى مجعولية الاتّصاف وصيرورة الماهية موجودة». وقال صدر المتألّهين في الأسفار ١ : ٣٩٨ : «فجمهور المشّائين ذهبوا ـ كما هو المشهور ـ إلى أنّ الأثر الأوّل للجاعل هو الوجود المعلول. وفسّره المتأخّرون بالموجوديّة ، أي اتّصاف ماهيّة المعلول بالوجود بالمعنى الّذي ذكرناه ، لا أنّ الأثر الأوّل هو ماهيّة الاتّصاف أو ذات المعلول أو نفس الوجود ، لاستغناء الماهيات بحقائقها التصوّريّة عندهم من الجاعل».
(٣) في الفصل الثاني من المرحلة الاولى.
(٤) والأولى أن يقال : «والّذي تفيده العلّة» لما مرّ في التعليقة رقم (١).
(٥) لأنّها من حيث هي ليست إلّا هي.