الصريح يحيله.
وعرفت سابقا (١) أنّ القول بحاجتها في عدمها إلى غيرها نوع من التجوّز ، حقيقته أنّ ارتفاع الغير ـ الّذي يحتاج إليه في وجودها ـ لا ينفكّ عن ارتفاع وجودها ، لمكان توقّف وجودها على وجوده ، ومن المعلوم أنّ هذا التوقّف على وجود الغير ، لأنّ المعدوم لا شيئيّة له (٢).
فهذا الوجود المتوقّف عليه نسمّيه : «علّة» والشيء الّذي يتوقّف على العلّة «معلولا» له (٣).
__________________
ـ حدّ ذاتها ، بل تكون إمّا واجب الوجود أو ممتنع الوجود ، وهذا انقلاب في الذاتي ، وهو محال.
ويصحّ أيضا أن يقال : «وأمّا ترجّح أحد الجانبين لا لمرجّح وراء ذاتها فالعقل الصريح يحيله».
(١) راجع الفصل الرابع من المرحلة الاولى.
(٢) فلا معنى لتوقّف شيء عليه.
(٣) اعلم انّ عبارات الحكماء والمتكلّمين في تعريف العلّة والمعلول مختلفة.
قال الشيخ الرئيس في رسالة الحدود : «إنّ العلّة هي كلّ ذات يلزم منه أن يكون وجود ذات اخرى انّما هو بالفعل من وجود هذا بالفعل ، ووجود هذا بالفعل من وجود ذلك بالفعل».
راجع رسائل ابن سينا : ١١٧.
وقال في عيون الحكمة : «السبب هو كلّ ما يتعلّق به وجود الشيء من غير أن يكون ذلك الشيء داخلا في وجوده أو محقّقا به وجوده».
وناقش فيهما فخر الدين الرازيّ في شرح عيون الحكمة ٣ : ٤٥.
وقال المحقّق الطوسيّ : «كلّ شيء يصدر عنه أمر إمّا بالاستقلال أو بالانضمام فانّه علّة لذلك الأمر والأمر معلول له». راجع كشف المراد : ١١٤. وأورد عليه القوشجيّ في شرحه للتجريد : ١١٢ ، ثمّ قال : «فالصواب أن يقال : العلّة ما يحتاج إليه أمر في وجوده».
ولهم في كتبهم عبارات شتّى غير ما ذكر في تعريف العلّة والمعلول ، فراجع شرح المنظومة : ١١٧ ، والأسفار ٢ : ١٢٧ ، وحكمة الإشراق : ٦٢ ، وشرح المقاصد ١ : ١٥٢ ، وشرح المواقف : ١٦٨.
ويمكن أن يقال في تعريفهما : «العلّة هي ما يؤثّر في وجود ، والمعلول وجود يتأثّر من مؤثّر». أو يقال : «العلّة حقيقة تؤثّر في وجود الشيء من حيث هي مؤثّرة بالفعل. والمعلول ذلك الوجود من حيث هو متأثّر بالفعل. فإن كان المؤثّر مؤثّرا غير متأثّر فهو العلّة التامّة ، وإن كان مؤثّرا هو متأثّر عن المؤثّر الآخر فهو العلّة الناقصة».