وإذ كان هذا العالم حركة ومتحرّكا في جوهره ، سيلانا وسيّالا في وجوده ، وكانت هويّته عين التجدّد والتغيّر لا شيئا يطرأ عليه التجدّد والتغيّر ، صحّ ارتباطه بالعلّة الثابتة الّتي تنزّه عن التجدّد والتغيّر. فالجاعل الثابت الوجود جعل ما هو في ذاته متجدّد متغيّر (١) ، لا أنّه جعل الشيء متجدّدا متغيّرا.

وبذلك يرتفع إشكال استناد المتغيّر إلى الثابت وارتباط الحادث بالقديم (٢).

__________________

(١) أي : جعل المتجدّد ، لا أنّه جعل الشيء ـ بعد عدم تجدّده ـ متجدّدا.

(٢) اعلم أنّ المنسوب إلى الحكماء في بيان كيفيّة ربط الحادث بالقديم أنّ الرابط بين القديم والحادث هو الحركة الوضعيّة العرضيّة الطارئة على الفلك ، فإنّ لها جهة ثبات (وهي الحركة التوسّطيّة) وجهة تجدّد (وهي الحركة القطعيّة). فهي من جهة ثباتها مستندة إلى المبدأ الثابت القديم ، ومن جهة تجدّدها يسند إليها الحوادث.

وأورد عليه صدر المتألّهين في الأسفار ٣ : ١٣٠ ، بأنّ كلامهم يدّل على كون الحركة الدوريّة دائمة بالذات باعتبار ، وهذا غير صحيح ، لأنّ الأمر التجدّديّ البحث ليس له بقاء أصلا فضلا عن كونه قديما.

ثمّ ذكر وجها آخر في بيان كيفيّة ربط الحادث بالقديم ، وحاصله : أنّ الرابط بين القديم والحادث هو الحركة الجوهريّة الثابتة لطبيعة الفلك ، فإنّ لطبيعته وجه عقليّ من جهة اتّصالها واتّحادها بربّ نوعها ، ومن هذا الوجه لها ثبات واستقرار ومستندة إلى مبدئها الثابت ، ولها وجه آخر طبيعيّ من حيث كونها طبيعة متجدّدة متصرّمة ، ومن هذا الوجه متجدّدة يستند إليها الحوادث. راجع الأسفار ٣ : ١٣١.

۳۳۶۱