وما أوردناه من البيان يجري في العقول المجرّدة أيضا.

فإن قلت : ما سلكتموه من الطريق لإثبات القدرة للواجب تعالى خلو عن إثبات الإرادة بما هي إرادة له ، والّذي ذكروه في تعريف القدرة ب «أنّها كون الشيء بحيث إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل» (١) يتضمّن إثبات الإرادة صفة ذاتيّة للواجب مقوّمة للقدرة ، غير أنّهم (٢) فسّروا الإرادة الواجبيّة ب «أنّها علم بالنظام الأصلح» (٣).

قلت : ما ذكروه في معنى القدرة يرجع إلى ما أوردناه في معناها المتضمّن للقيود الثلاثة : المبدئيّة والعلم والاختيار. فما ذكروه في معنى قدرته تعالى حقّ. وإنّما الشأن كلّ الشأن في أخذهم علمه تعالى مصداقا للإرادة (٤) ، ولا سبيل إلى إثبات ذلك ، فهو أشبه بالتسمية (٥).

__________________

ـ وعلم بالأصلح ـ أي بالشيء بما يترتّب عليه من المصلحة الّتي هي غاية وجوده ـ ويتحصّل به أنّ قدرته كون ذاته مبدأ لكلّ خير ومصلحة ، غير أنّ المصلحة المترتّبة خارجا على الفعل لا تكون غاية لذاته المتعالية وداعيا ذا دخل في فاعليّته ، بل هي المصلحة الّتي في علمه الّذي هو عين ذاته ، ولا معنى لجعل هذا العلم تابعا للمعلوم الخارجيّ ، وهو ظاهر. على أنّ مصلحة الفعل وجهة خيريّته مترتّبة على الفعل المترتّب على مبدئيّته الفاعليّة ، فلا تكون مؤثّرة فيها قاهرة عليها ، ولا قاهر أيضا غيرها ، فهو تعالى مختار على الإطلاق.

هذا ملخّص القول في التفسيرين ، وقد استبان أنّ القدرة على كلا التعريفين إطلاق الفاعل وعدم تقيّده بإيجاب يلحق به من ناحية الفعل أو الترك». إنتهى كلامه ملخّصا.

(١) راجع الأسفار ٦ : ٣٠٧ و ٤ : ١١٢ ، وشرح المنظومة : ١٧٧.

(٢) أي : الحكماء.

(٣) راجع الأسفار ٤ : ١١٤ ، والتعليقات للشيخ : ١٦ ـ ١٧.

(٤) بل صرّح بعضهم بوحدتهما مفهوما في الواجب تعالى ، كما قال الشيخ الرئيس : «ليست الإرادة مغايرة الذات لعلمه ولا مغايرة المفهوم لعلمه». راجع الفصل السابع من المقالة الثالثة من إلهيّات الشفاء.

(٥) وذلك لأنّه إن كان المراد من قولهم : «إنّ إرادته تعالى علمه» أنّ مصداق إرادته ليس إلّا مصداق علمه وكان كلّ منهما عين الآخر مصداقا فهذا وإن كان حقّا إلّا أنّه لا ينحصر في إرادته وعلمه ، بل جميع صفاته الكماليّة واحد مصداقا ، لاتّحادها مع الذات مصداقا ، ـ

۳۳۶۱