فإن قلت : من الجائز أن يكون لوجود واحد مّا بحسب نشأته المختلفة ماهيّات مختلفة ومراتب متفاوتة ، كالعلم الّذي إذا تعلّق بالخارج منّا هو كيف نفسانيّ ، وإذا تعلّق بنفوسنا جوهر نفسانيّ ، وعلم العقل بذاته جوهر عقليّ وعلم الواجب بذاته واجب بالذات وعلم الممكن بذاته ممكن بالذات ، فكون الإرادة الّتي فينا كيفا نفسانيّا لا يدفع كون إرادة الواجب لفعله هو علمه الذاتيّ.

ثمّ إنّ من المسلّم أنّ الفاعل المختار لا يفعل ما يفعل إلّا بإرادة ومشيئة (١) ، والواجب تعالى فاعل مختار فله إرادة لفعله ، لكنّ الإرادة الّتي فينا ـ وهي الكيف النفسانيّ ـ غير متحقّقة هناك ، وليس هناك إلّا العلم وما يلزمه من الاختيار ، فعلمه تعالى هو إرادته ، فهو تعالى مريد بما أنّه عالم بعلمه الّذي هو عين ذاته.

قلت : الّذي نتسلّمه أنّ الفاعل المختار من الحيوان لا يفعل ما يفعل إلّا عن علم بمصلحة الفعل وإرادة بمعنى الكيف النفسانيّ ، وأنّ الواجب تعالى لا يفعل ما يفعل إلّا عن علم بمصلحة الفعل. وأمّا أنّ هذا العلم ـ الّذي هناك ـ وجوده وجود الإرادة والمشيئة (٢) وإن لم تكن ماهيّته هي الكيف النفسانيّ فغير مسلّم. نعم ، لنا أن ننتزع الإرادة من مقام الفعل كسائر الصفات الفعليّة ، كما تقدّمت الإشارة إليه في البحث عن صفات الفعل (٣) وسيجيء (٤).

وبالجملة : لا دليل على صدق مفهوم الإرادة على علم الواجب تعالى بالنظام

__________________

ـ فلا وجه لاختصاص هذا الاتّحاد بالإرادة والعلم. وإن كان المراد منه أنّ مفهوم الإرادة في الواجب عين مفهوم العلم فيه ، فيرد عليه أنّ مفهوم الإرادة غير مفهوم العلم ولو جرّدنا الإرادة من شوائب النقص ، كما أنّ مفاهيم غيرهما من الصفات متغايرة ، كيف ولو لم يتغاير مفهوم الإرادة مع مفهوم العلم فيه تعالى للزم أن يفهم من قولنا : «الله عالم» ما يفهم بعينه من قولنا : «الله مريد» ، لكن التالي باطل ـ أي : لم يفهم من الجملة الاولى ما يفهم من الثانية ـ فالمقدّم ـ وهو اتّحادهما مفهوما ـ مثله.

(١) وفي النسخ : «مشيّة» والصحيح ما أثبتناه.

(٢) وفي النسخ : «مشيّة» والصحيح ما أثبتناه.

(٣) راجع آخر الفصل العاشر من هذه المرحلة.

(٤) راجع آخر هذا الفصل.

۳۳۶۱