في فعله بذاته ، إذ لا مؤثّر غيره يؤثّر فيه ، فهو تعالى قادر بذاته (١).
__________________
(١) إعلم أنّ للقدرة تعريفين مشهورين :
أحدهما : ما ذهب إليه المتكلّمون من أنّ القدرة صحّة صدور الفعل ولا صدوره ـ أي الترك ـ وثانيهما : ما ذهب إليه الفلاسفة من أنّ القدرة هي : كون الفاعل في ذاته بحيث إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل.
أمّا التعريف الأوّل فإن كان المراد من الصحّة هو الجواز العقليّ الّذي مرجعه إلى الإمكان الذاتيّ ـ أي يكون معنى صحّة الفعل والترك أنّ كلّ واحد من طرفي الفعل والترك بالقياس إلى ذات الفاعل ممكن بالامكان الذاتيّ بحيث إنّ ذات الفاعل قطع النظر عمّا هو خارج عن ذاته لا يقتضي صدور الفعل ولا تركه ، فيكون الفعل في حدّ الاستواء ـ فالقدرة بهذا المعنى إنّما يتصوّر في من كان فعله الصادر عنه متوقّفا على امور خارجة من ذاته ، كالعلم والإرادة الزائدتين على ذاته ، وأمّا في الواجب تعالى الّذي يكون علمه وإرادته عين ذاته فلا يتصوّر.
وأمّا التعريف الثاني فهو يرجع إلى تقييد فاعليّة الفاعل بالإرادة. وإذا كان المراد من الإرادة صفة نفسانيّة تتبع العلم بمصلحة الفعل الملزمة فلا يتصوّر في الواجب تعالى.
والمصنّف رحمهالله فسّر القولين ـ في تعليقته على الأسفار ٦ : ٣٠٧ ـ ٣٠٨ ـ بما يتصوّر في الممكن والواجب معا. فقال : «أمّا تفسيرها بصحّة الفعل والترك ـ والصحّة على ما نفهم من معناها هو الجواز ، أي : كون النسبة بين الفاعل وبين كلّ من الفعل والترك نسبة الإمكان ، فلا يكون الفعل ممتنعا حتّى يتقيّد المبدأ الفاعليّ بالترك ، ولا الترك ممتنعا حتّى يتقيّد بالفعل ـ فيعود الأمر إلى كون الفاعل مطلقا غير مقيّد بشيء من الفعل والترك. هذا ، وليس في حدّ القدرة أن تكون غير الفاعل القادر ولا عينه ، وإن كانت القدرة الّتي فينا خارجة عن ذاتنا.
ثمّ إنّ الواجب تعالى وجود لا يشوبه عدم ، ومطلق غير متقيّد بقيد ولا محدود بحدّ ، وفاعل لكلّ بنفس ذاته لا بأمر يلحقه من خارج. فإذا كانت ذاته مبدأ الفعل ـ وهو مطلق غير مقيّد ـ فلا يكون مقيّدا بالفعل لامتناع الترك ، ولا بالترك لامتناع الفعل ، بل مبدأ فعله الّذي هو ذاته مطلق غير مقيّد بالفعل أو الترك. وهذه هي القدرة الواجبيّة ، وهي عين الذات.
وأمّا تفسيرها بكون الفاعل بحيث إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل فيرجع إلى تقييد فاعليّة الفاعل بالإرادة. وهي فينا صفة نفسانيّة تتبع العلم بمصلحة الفعل الملزمة ، فالمبدأ الفاعليّ فينا متقيّد بالعلم بما يكون داعيا إلى الفعل.
ثمّ لو أثبت صفة الإرادة في الذات المتعالية (ولتكن بمعنى العلم بالأصلح) ـ والمفروض أنّ فاعليّته تعالى بنفس ذاته وأنّ علمه عين ذاته ـ صارت الإرادة والعلم اللّذان هما قيدان لفاعليّتنا عين الذات المطلقة هناك ، وصدق عليه تعريف القادر ، لكونه فاعلا عن إرادة ـ