ثمّ إذا تمّ العلم بكون الفعل خيرا أعقب ذلك شوقا من الفاعل إلى الفعل ، فالخير محبوب له مطلقا مشتاق إليه إذا فقد. وهذا الشوق كيفيّة نفسانيّة غير العلم السابق قطعا ، وأعقب ذلك الإرادة ، وهي كيفيّة نفسانيّة غير العلم السابق وغير الشوق قطعا ، وبتحقّقها يتحقّق الفعل الّذي هو تحريك العضلات بواسطة القوّة العاملة المنبثّة فيها.

هذا ما يكشف البحث عن القدرة الّتي عندنا من القيود الّتي فيها (١) وهي المبدئيّة للفعل ، والعلم بأنّه خير للفاعل ـ علما يلازم كونه مختارا في فعله ـ والشوق إلى الفعل والإرادة له.

وقد تحقّق (٢) أنّ كلّ كمال وجوديّ في الوجود فإنّه موجود للواجب تعالى في حدّ ذاته ، فهو تعالى عين القدرة الواجبيّة (٣) لكن لا سبيل لتطرّق الشوق إليه ، لكونه كيفيّة نفسانيّة تلازم الفقد (٤) والفقد يلازم النقص ، وهو تعالى منزّه عن كلّ نقص وعدم. وكذلك الإرادة (٥) الّتي هي كيفيّة نفسانيّة غير العلم والشوق ، فإنّها ماهيّة ممكنة ، والواجب تعالى منزّه عن الماهيّة والإمكان ، على أنّ الإرادة بهذا المعنى هي مع المراد ـ إذا كان (٦) من الامور الكائنة الفاسدة ـ لا توجد قبله ولا تبقى بعده ، فاتّصاف الواجب تعالى بها مستلزم لتغيّر الموصوف ، وهو محال.

فتحصّل : أنّ القدرة المجرّدة عن النواقص والأعدام هي كون الشيء مبدأ فاعليّا للفعل عن علم بكونه خيرا واختيار في ترجيحه ، والواجب تعالى مبدأ فاعليّ لكلّ موجود بذاته ، له علم بالنظام الأصلح في الأشياء بذاته ، وهو مختار

__________________

(١) قوله : «من القيود الّتي فيها» متعلّق بقوله : «يكشف» أي : هذه القيود الّتي ذكرناها في القدرة ما يكشفها البحث عن القدرة الّتي للانسان.

(٢) في الفصل السادس من هذه المرحلة.

(٣) لأنّها من الكمالات الوجوديّة.

(٤) فإنّ الكيفيّات النفسانيّة قسم من الكيفيّات ، وهي قسم من الأعراض ، وكلّ عرض ماهيّة ، وكلّ ماهيّة محدودة ، وكلّ محدود يلازم الفقد بالضرورة.

(٥) أي : ولا سبيل لتطرّق الإرادة إليه.

(٦) أي : المراد.

۳۳۶۱