وقول بعضهم (١) : «إنّ علّة الإيجاد هي إرادة الواجب بالذات دون ذاته المتعالية» كلام لا محصّل له ، فإنّ الإرادة المذكورة عند هذا القائل إن كانت صفة ذاتيّة هي عين الذات كان إسناد الإيجاد إليها عين إسناده إلى الذات المتعالية ، فإسناده إليها ونفيه عن الذات تناقض ظاهر. وإن كانت صفة فعليّة منتزعة من مقام الفعل كان الفعل متقدّما عليها ، فكان إسناد إيجاد الفعل إليها قولا بتقدّم المعلول على العلّة وهو محال. على أنّ نسبة العلّيّة إلى إرادة الواجب بالذات ونفيها عن الذات تقضي بالمغايرة بين الواجب وإرادته. فهذه الإرادة إمّا مستغنية عن العلّة فلازمه أن تكون واجبة الوجود ولازمه تعدّد الواجب وهو محال ، وإمّا مفتقرة إلى العلّة ، فإن كانت علّتها الواجب كانت الإرادة علّة للعالم والواجب علّة لها وعلّة العلّة علّة فالواجب علّة العالم ، وإن كانت علّتها غير الواجب ولم ينته إليه استلزم واجبا آخر ينتهي إليه وهو محال.
وأمّا القول الثاني المنسوب إلى الأشاعرة ، وهو أنّ هذه الصفات ـ وهي على ما عدّوها سبع (٢) : الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والإرادة والكلام ـ زائدة على الذات ، لازمة لها ، قديمة بقدمها.
ففيه : أنّ هذه الصفات إن كانت في وجودها مستغنية عن العلّة قائمة بنفسها كان هناك واجبات ثمان هي الذات والصفات السبع ، وبراهين وحدانيّة الواجب تبطله وتحيله. وإن كانت في وجودها مفتقرة إلى علّة ، فإن كانت علّتها هي الذات كانت الذات علّة متقدّمة عليها فيّاضة لها وهي (٣) فاقدة لها (٤) وهو محال ، وإن
__________________
ـ وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف ، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة». نهج البلاغة : الخطبة ١.
(١) كما هو ظاهر كلام الأشاعرة ، راجع شرح المقاصد ٢ : ٩٤ ـ ٩٥.
(٢) قال الشهرستاني : «قال أبو الحسن : الباري تعالى عالم بعلم ، قادر بقدرة ، حيّ بحياة ، مريد بإرادة ، متكلّم بكلام ، سميع يسمع ، بصير يبصر». راجع الملل والنحل ١ : ٩٥.
(٣) أي : الذات.
(٤) فيلزم منه أن يكون معطي الشيء فاقدا له ، وهو محال بالضرورة.