ففيه (١) : أنّ الإرادة لو رجّحت الفعل فإنّما ترجّحه بتعلّقها به ، لكن أصل تعلّقها بأحد الامور المتساوية الجهات محال. ودعوى أنّ من خاصّة الإرادة ترجيح أحد الأفعال المتساوية لا محصّل لها (٢) ، لأنّها صفة نفسانيّة علميّة لا تتحقّق إلّا مضافة إلى متعلّقها الّذي رجّحه العلم السابق لها. فما لم يرجّح العلم السابق متعلّق الإرادة لم تتحقّق الإرادة حتّى يترجّح بها فعل.
وأمّا قول من قال : «إنّه تعالى عالم بجميع المعلومات ، فما علم منها أنّه سيقع يفعله ، وما علم منها أنّه لا يقع لا يفعله». وبعبارة اخرى : «ما علم أنّه ممكن فعله ، دون المحال».
ففيه : أنّ الإمكان لازم الماهيّة ، والماهيّة متوقّفة في انتزاعها على تحقّق الوجود ، ووجود الشيء متوقّف على ترجيح المرجّح ، فالعلم بالإمكان متأخّر عن المرجّح بمراتب ، فلا يكون مرجّحا.
وأمّا قول من قال : «إنّ أفعاله تعالى غير خالية عن المصالح وإن كنّا لا نعلم بها ، فما كان منها ذا مصلحة في وقت يفوت لو لم يفعله في ذلك الوقت أخّره إلى ذلك الوقت».
ففيه ـ مضافا إلى ورود ما اورد على القول السابق عليه (٣) ـ : أنّ المصلحة المفروضة المرتبطة بالوقت الخاصّ لأيّ فعل من أفعاله ـ كيفما فرضت ـ ذات ماهيّة ممكنة ، لا واجبة (٤) ولا ممتنعة (٥) ، فهي نظيرة الأفعال ذوات المصلحة من
__________________
(١) هكذا دفعه صدر المتألّهين في الأسفار ٢ : ١٣٤ ـ ١٣٥ و ٢٦٠ ـ ٢٦١.
(٢) خبر لقوله : «ودعوى».
(٣) حاصله : أنّ العلم بالمصلحة متأخّر عن المرجّح بمراتب ، فإنّ العلم بالمصلحة متأخّر عن وجود المصلحة ، وهو متأخّر عن وجود ذي المصلحة ـ أي الفعل ـ ، وهو متوقّف على ترجيحه بمرجّح ، فالعلم بالمصلحة متأخّر عن المرجّح بمراتب ، فلا يكون مرجّحا.
(٤) وإلّا يلزم منه تعدّد الواجب ، وهو منفيّ بأدلّة التوحيد.
(٥) فإنّ كلّ ممتنع معدوم ، والمعدوم لا شيئيّة له حتّى يكون العلم به مرجّحا ومنشأ للآثار.