فعله تعالى. فمجموع ما سواه تعالى ـ من المصالح وذوات المصالح ـ فعل له تعالى ، لا يتعدّى طور الإمكان ، ولا يستغني عن علّة مرجّحة هي علّة تامّة ، وليس هناك وراء الممكن إلّا الواجب تعالى ، فهو العلّة التامّة الموجبة لمجموع فعله ، لا مرجّح له سواه.
نعم ، لمّا كان العالم مركّبا ذا أجزاء لبعضها نسب وجوديّة إلى بعض جاز أن يقف وجود بعض أجزائه في موقف الترجيح لوجود بعض ، لكنّ الجميع ينتهي إلى السبب الواحد الّذي لا سبب سواه ولا مرجّح غيره ، وهو الواجب عزّ اسمه (١).
فقد تحصّل من جميع ما تقدّم أنّ المعلول يجب وجوده عند وجود العلّه التامّة (٢).
وبعض من لم يجد بدّا من إيجاب العلّة التامّة لمعلولها (٣) قال ب : «أنّ علّة العالم هي إرادة الواجب دون ذاته تعالى». وهو أسخف ما قيل في هذا المقام ، فإنّ المراد بإرادته إن كانت هي الإرادة الذاتيّة كانت عين الذات ، وكان القول بعلّيّة الإرادة عين القول بعلّيّة الذات ، وهو يفرّق بينهما بقبول أحدهما وردّ الآخر. وإن كانت هي الإرادة الفعليّة ـ وهي من صفات الفعل الخارجة من الذات ـ كانت أحد الممكنات وراء العالم ، ونستنتج منها وجود أحد الممكنات ، هذا.
وأمّا مسألة وجوب وجود العلّة (٤) عند وجود المعلول فلأنّه لو لم تكن العلّة
__________________
(١) وإن شئت تفصيل الكلام فراجع ما ذكرنا في التعليقات من الفصل الثاني من هذه المرحلة ، الرقم (٣) في الصفحة : ٩.
(٢) والأولى أن يقول : «أنّ الوجود المعلول يجب عند وجود العلّة التامّة». وذلك لأنّ المعلول ليس إلّا الوجود المتأثّر عن العلّة ، كما مرّ.
(٣) والأولى ، بل الصحيح أن يقول : «بعض من لم يجد بدّا من وجوب الوجود المعلول عند وجود العلّة التامّة». وذلك لما مرّ في الرقم (٣) من التعليقات في الصفحة : ١٧.
(٤) أي : العلّة التامّة. وذلك لما مرّ من أنّ العلّة لا يطلق حقيقة إلّا على العلّة التامّة. ولعلّه أطلقها ولم يصرّح بالتامّة.