ففيه : أنّه دعوى من غير دليل ، وقد تقدّمت الحجّة (١) على أنّ الممكن المتساوي الجانبين يحتاج في ترجّح أحد الجانبين إلى مرجّح (٢).

فإن قيل (٣) : إنّ المرجّح هو الفاعل مثلا بإرادته ، كما مرّ في مثال الهارب من السّبع.

أجيب : بأنّ مرجعه إلى القول الآتي ، وسيأتي بطلانه (٤). وأمّا مثال الهارب من السّبع فممنوع ، بل الهارب المذكور على فرض التساوي من جميع الجهات يقف في موضعه ولا يتحرّك أصلا.

على أنّ جواز ترجّح الممكن من غير مرجّح ينسدّ به طريق إثبات الصانع تعالى (٥).

وأمّا قول القائل : «إنّ الإرادة مرجّحة بذاتها ، يتعيّن بها أحد الأفعال المتساوية من غير حاجة إلى مرجّح آخر».

__________________

(١) راجع الفصلين الخامس والسادس من المرحلة الرابعة.

(٢) هكذا أجابت عنه الفلاسفة. راجع المباحث المشرقيّة ١ : ٤٨٠ ، والأسفار ٢ : ١٣٤. وحاصل الجواب : أنّه تقدّمت الحجّة على عدم إمكان الترجّح بلا مرجّح. ولمّا كان الترجيح بلا مرجّح مستلزما للترجّح بلا مرجّح ألزم ما ألزم ، فإنّ الترجّح يلزم في الترجيحين.

ومن هنا يعلم أنّه ما لم يتحقّق هناك مرجّح استحال حصول أحد الجانبين ، ولو حصل أحد الجانبين أحيانا يكشف منه أنّ المرجّح موجود وإن لم نعلم به ، فإنّ الضروريّ هو وجود المرجّح لا العلم به.

(٣) والقائل صاحب المواقف ، حيث قال : «لا أقول : لا يكون للفعل مرجّح على عدمه ، فإنّ الهارب بإرادته مرجّح إيّاه على عدمه ، بل أقول : لا يكون إليه ـ أي إلى الفعل ـ داع باعث للفاعل عليه من اعتقاد النفع أو ميل تابع له».

(٤) في السطور الآتية.

(٥) هذا أوّل الوجهين اللذين ذكرهما الفخر الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ٤٨٠ ، وصدر المتألّهين في الأسفار ٢ : ١٣٤. وحاصله : أنّ جواز ترجّح الممكن من غير مرجّح يستلزم انسداد باب إثبات الصانع تعالى ، لأنّ الطريق إلى إثباته هو أنّ كلّ ممكن يحتاج الى المؤثّر المرجّح ، وإذا كان ترجّح الممكن من غير مرجّح جائزا لم يحتج وجود الممكن إلى مؤثّر ومرجّح ، بل يجوز كون جميع الممكنات غير محتاج إلى غيره ، فينسدّ طريق إثبات الصانع.

۳۳۶۱