بيان ذلك (١) : أنّ النفس عند أوّل ما تنال من طريق الحسّ بعض الماهيّات المحسوسة أخذت ما نالته فاختزنته في الخيال ، وإذا نالته ثانيا أو في الآن الثاني وأخذته للاختزان وجدته عين ما نالته أوّلا ومنطبقا عليه. وهذا هو الحمل الّذي هو اتّحاد المفهومين وجودا (٢). ثمّ إذا أعادت النفس المفهوم مكرّرا بالإعادة بعد الإعادة ثمّ جعلتهما واحدا (٣) كان ذلك حكما منها وفعلا لها ، وهو مع ذلك محاك للخارج ، وفعله هذا نسبة وجوديّة ووجود رابط قائم بالطرفين اعتبارا.
ثمّ للنفس أن تتصوّر الحكم الّذي هو فعلها ، وتنظر إليه نظرا استقلاليّا مضافا إلى موصوفه بعد ما كان رابطا ، فتتصوّر وجود المفهوم ، ثمّ تجرّده فتتصوّر الوجود مفردا من غير إضافة. فبهذا يتحصّل انتزاع مفهوم الوجود (٤) من الحكم ويقع على مصداقه الخارجيّ ، وإن كانت حيثيّته حيثيّة أنّه في الخارج ، فهي مصاديق له ، وليست بأفراد مأخوذ فيها مفهومه أخذ الماهيّة في أفرادها ، ثمّ تنتزع من مصاديقه صفاته الخاصّة به ، كالوجوب والوحدة والكثرة والقوّة والفعل وغيرها.
ثمّ (٥) إذا نالت النفس شيئا من الماهيّات المحسوسة فاختزنته ثمّ نالت ماهيّة اخرى مباينة لها لم تجد الثانية عين الاولى منطبقة عليها (٦) ، كما كانت تجد ذلك
__________________
(١) وحاصل بيانه : أمّا في القضايا الموجبة فإنّ النفس تنشئ وجودا رابطا بين الموضوع والمحمول ، ثمّ تنتزع عنه مفهوم وجود المحمول ، ثمّ تجرّده عن الإضافة ، فيحصل مفهوم الوجود. فالنفس تنشئ وجودا رابطا بين «زيد» و «قائم» مثلا ، ثمّ تنتزع عنه مفهوم الوجود المضاف إلى القيام ، لكنّه معنى حرفيّ ولا يمكن أن يحكي عن الوجودات المستقلّة ، فتنظر إليه نظرا استقلاليّا وتجرّده عن الإضافة ، فتتصوّر مفهوم الوجود المستقلّ من دون الإضافة إلى المحمول.
وأمّا في القضايا السالبة فتنشئ النفس عدما رابطا بين الموضوع والمحمول ، ثمّ تنتزع عنه مفهوم عدم المضاف إلى المحمول ، ثمّ تجرّده عن الإضافة فتنال مفهوم العدم مفردا من غير إضافة.
(٢) أي الحمل الشائع.
(٣) وفي النسخ : «ثمّ جعلتها واحدا» والصحيح ما أثبتناه.
(٤) أي : الوجود على نعت الإطلاق.
(٥) شروع في بيان كيفيّة انتزاع المفاهيم الاعتباريّة من عدم الحكم في القضايا السالبة.
(٦) أي : ولم تجد الثانية منطبقة على الاولى.