أيّ تغيير ، ولو كان مقيّدا بالزمان لتغيّر بتغيّره (١).

فقد تحصّل بما تقدّم أنّ الصورة العلميّة ـ كيفما كانت ـ مجرّدة من المادّة خالية عن القوّة. وإذ كانت كذلك فهي أقوى وجودا من المعلوم المادّيّ الّذي يقع عليه الحسّ وينتهي إليه التخيّل والتعقّل ، ولها آثار وجودها المجرّد. وأمّا آثار وجودها الخارجيّ المادّيّ الّذي نحسبه متعلّقا للإدراك (٢) فليست آثارا للمعلوم بالحقيقة الّذي يحضر عند المدرك حتّى تترتّب عليه أو لا تترتّب ، وإنّما هو الوهم يوهم للمدرك أنّ الحاضر عنده حال الإدراك هو الصورة المتعلّقة بالمادّة خارجا ، فيطلب آثارها الخارجيّة ، فلا يجدها معها ، فيحكم بأنّ المعلوم هو الماهيّة بدون ترتّب الآثار الخارجيّة.

فالمعلوم ـ عند العلم الحصوليّ بأمر له نوع تعلّق بالمادّة ـ هو موجود مجرّد ، هو مبدأ فاعليّ لذلك الأمر (٣) ، واجد لما هو كماله ، يحضر بوجوده الخارجيّ للمدرك ، وهو علم حضوريّ ، ويتعقّبه انتقال المدرك إلى ما لذلك الأمر من الماهيّة والآثار المترتّبة عليه في الخارج (٤). وبتعبير آخر : العلم الحصوليّ اعتبار عقليّ يضطرّ إليه العقل ، مأخوذ من معلوم حضوريّ هو موجود مجرّد مثاليّ أو عقليّ ،

__________________

(١) كما أنّه لو كان الجزء العصبيّ مكانا له لتغيّر بتغيّره بعد انقضاء سنين متمادية. وجذب موادّ غذائيّة ربما يوجب تغيّر الجزء العصبيّ بجميع ذرّاته.

(٢) وفي النسخ : «التي نحسبها متعلّقة للإدراك» والصحيح ما أثبتناه.

(٣) وفيه : أنّه لا مبدأ فاعليّا للامور بحقيقة معنى الكلمة إلّا الواجب تعالى. مضافا إلى أنّ مجرّد كون الشيء موجودا مجرّدا لا يكفي دليلا على كونه مبدأ فاعليّا ومؤثّرا حقيقيّا في غيره ، ولو كان أقوى وجودا من غيره ، فإنّ الكيفيّات النفسانيّة الحاصلة للنفس مجرّدة وليست مبدأ فاعليّا لشيء.

(٤) ولا يخفى أنّ كلامه هذا ينقض بما ذكره تعليقا على الأسفار ٦ : ٤٢٤ حيث قال ـ تعليقا على قول صدر المتألّهين : «بل حقيقة الابصار عندنا هي إنشاء النفس ...» ـ : «ما ذكره رحمه‌الله في الابصار يجري في مدركات سائر الحواسّ ، كالمشمومات والمذوقات والملموسات ، وهي جميعا مدركة في الحسّ المشترك ، كما سيأتي في علم النفس. ومدركات هذه القوّة من سنخ واحد ، وليس بإدراك حضوريّ ، بل علم حصوليّ».

۳۳۶۱