حاضر بوجوده الخارجيّ للمدرك وإن كان مدركا من بعيد.
ولنرجع إلى ما كنّا بصدده من الكلام في تعريف العلم (١) ، فنقول : حصول العلم ووجوده للعالم ممّا لا ريب فيه. وليس كلّ حصول كيف كان ، بل حصول أمر هو بالفعل فعليّة محضة لا قوّة فيه لشيء أصلا ، فإنّا نجد بالوجدان أنّ الصورة العلميّة من حيث هي لا تقوى على صورة اخرى ، ولا تقبل التغيّر عمّا هي عليه من الفعليّة. فهو حصول المجرّد من المادّة عار من نواقص القوّة ، ونسمّي ذلك : «حضورا».
فحضور شيء لشيء حصوله له بحيث يكون تامّ الفعليّة غير متعلّق بالمادّة بحيث يكون ناقصا من جهة بعض كمالاته الّتي في القوّة.
ومقتضى حضور العلم للعالم أن يكون العالم أيضا تامّا ذا فعليّة في نفسه ، غير ناقص من حيث بعض كمالاته الممكنة له ، وهو كونه مجرّدا من المادّة خاليا عن القوّة. فالعلم حصول أمر مجرّد من المادّة لأمر مجرّد ، وإن شئت قلت : حضور شيء لشيء.
__________________
(١) إعلم أنّ في تعريف العلم مذاهب مختلفة :
الأوّل : ما ذهب إليه الشيخ الإشراقيّ ، وهو أنّ العلم عبارة عن الظهور راجع حكمة الإشراق : ١١٤ ـ ١١٥.
الثاني : ما ذهب إليه أبو الحسين البصريّ وأصحابه والفخر الرازيّ ، وهو أنّ العلم حالة إضافيّة بين العالم والمعلوم. راجع شرح مسألة العلم : ٢٩ ، والمباحث المشرقيّة ١ : ٣٣١ ، وشرحي الإشارات ١ : ١٣٣ ـ ١٣٤.
الثالث : ما ذهب إليه صاحب الملخّص ـ على ما نقل عنه في الأسفار ٣ : ٢٩٠ ـ وهو أنّ العلم عبارة عن كيفيّة ذات إضافة.
الرابع : ما ذهب إليه بعض آخر ، وهو أنّ العلم عبارة عن صورة منطبعة عند العقل.
وتعرّض لهذه الأقوال ولنقدها صدر المتألّهين في الأسفار ٣ : ٢٨٤ ـ ٢٩٦.
والخامس : ما ذهب إليه الأشاعرة ، وهو أنّه صفة ذات تعلّق. راجع شرح المواقف : ٢٧٢.
وعرّفوه أيضا بتعاريف اخر ، ذكرها المحقّق الطوسيّ في شرح مسألة العلم : ٢٣ ـ ٢٦.