لها من (١) الجزء العصبيّ ، كالسماء بأرجائها والأرض بأقطارها والجبال الشاهقة والبراري الواسعة والبحور الزاخرة ، ومن الممتنع انطباع الكبير في الصغير.
وما قيل : «إنّ إدراك الكبر والصغر في الصورة العلميّة إنّما هو بقياس أجزاء الصورة العلميّة بعضها إلى بعض» لا يفيد شيئا ، فإنّ المشهود هو الكبير بكبره دون النسبة الكلّيّة المقداريّة الّتي بين الكبيرة والصغيرة ، وإنّ النسبة بينهما مثلا نسبة المائة إلى الواحد.
فالصورة العلميّة المحسوسة أو المتخيّلة ـ بما لها من المقدار ـ قائمة بنفسها في عالم النفس من غير انطباع في جزء عصبيّ أو أمر مادّيّ غيرها ، ولا انقسام لها بعرض انقسامه. والإشارة الذهنيّة إلى بعض أجزاء المعلوم وفصله عن الأجزاء الاخر ـ كالإشارة إلى بعض أجزاء زيد المحسوس أو المتخيّل ثمّ إلى بعضها الآخر ـ ليس من التقسيم في شيء ، وإنّما هو إعراض عن الصورة العلميّة الأوّليّة وإيجاد لصورتين اخريين.
وإذ لا انطباع للصورة العلميّة في جزء عصبيّ ولا انقسام لها بعرض انقسامه ، فارتباط الصورة العلميّة بالجزء العصبيّ وما يعمله من عمل عند الإدراك ارتباط إعداديّ ، بمعنى أنّ ما يأتيه الجزء العصبيّ من عمل تستعدّ به النفس لأن تحضر عندها وتظهر في عالمها الصورة العلميّة الخاصّة بما للمعلوم من الخصوصيّات (٢).
وكذلك المقارنة الّتي تتراءى بين إدراكاتنا وبين الزمان إنّما هي بين العمل المادّيّ الإعداديّ الّتي تعمله النفس في آلة الإدراك (٣) وبين الزمان ، لا بين الصورة العلميّة بما أنّه علم وبين الزمان. ومن الدليل على ذلك أنّا كثيرا ما ندرك شيئا من المعلومات ونخزنه عندنا ثمّ نذكره بعينه بعد انقضاء سنين متمادية من غير
__________________
(١) بيان للمحلّ المفروض.
(٢) فليس الجزء العصبيّ إلّا آلة للإحساس تستعدّ بها النفس للإدراك. وفي النسخ : «لأن يحضر عندها ويظهر في عالمها. فالصورة العلميّة ...» والصحيح ما أثبتناه.
(٣) وهو الجزء العصبيّ.