فرض أيّ تغيّر فيها كانت الصورة الجديدة مباينة للصورة المعلومة سابقا (١) ولو كانت الصورة العلميّة مادّيّة لم تأب التغيّر.
وأيضا لو كانت مادّيّة لم تفقد خواصّ المادّة اللازمة ، وهي : الانقسام والزمان والمكان. فالعلم ـ بما أنّه علم ـ لا يقبل النصف والثلث مثلا ، ولو كان منطبعا في مادّة جسمانيّة لانقسم بانقسامها. ولا يتقيّد بزمان ، ولو كان مادّيّا ـ وكلّ مادّيّ متحرّك ـ لتغيّر بتغيّر الزمان. ولا يشار إليه في مكان ، ولو كان مادّيا حلّ في مكان (٢).
فإن قلت : عدم انقسام الصورة العلميّة ـ بما أنّها علم ـ لا ينافي انطباعها في جسم كجزء من الدماغ مثلا ، وانقسامها بعرض المحلّ ، كما أنّ الكيفيّة ـ كاللون العارض لسطح جسم ـ تأبى الانقسام بما أنّها كيفيّة ، وتنقسم بعرض المحلّ ، فلم لا يجوز أن تكون الصورة العلميّة مادّيّة منطبعة في محلّ منقسمة بعرض محلّها وخاصّة بناء على ما هو المعروف من كون العلم كيفيّة نفسانيّة؟
وأيضا انطباق العلم على الزمان وخاصّة في العلوم الحسّيّة والخياليّة ممّا لا ينبغي أن يرتاب فيه ، كإحساس الأعمال المادّيّة في زمان وجودها.
وأيضا اختصاص أجزاء من الدماغ بخاصّة العلم ـ بحيث يستقيم باستقامتها ويختلّ باختلالها على ما هو المسلّم في الطبّ ـ لا شكّ فيه ، فللصورة العلميّة مكان ، كما أنّ لها زمانا.
قلنا : إنّ إباء الصورة العلميّة وامتناعها عن الانقسام بما أنّها علم لا شكّ فيه كما ذكر (٣). وأمّا انقسامها بعرض انقسام المحلّ ـ كالجزء العصبيّ مثلا ـ فممّا لا شكّ في بطلانه أيضا ، فإنّا نحسّ ونتخيّل صورا هي أعظم كثيرا ممّا فرض محلّا
__________________
ـ عقد الفخر الرازيّ وصدر المتألّهين فصلا لذكر الأدلّة المشهورة الّتي أقاموا على تجرّد النفس ، وهي اثنى عشر دليلا ، راجع المباحث المشرقيّة ٢ : ٣٤٥ ـ ٣٧٩ ، والأسفار ٨ : ٢٦٠ ـ ٣٠٣.
(١) فما يتوهّم أنّه تغيّر فيها ليس بتغيّر فيها ، بل هو زوال صورة علميّة وحدوث صورة علميّة جديدة.
(٢) ويمكن الإشارة الحسّيّة إليه.
(٣) راجع المباحث المشرقيّة ٢ : ٣٤٦ ، والأسفار ٨ : ٢٦١ ـ ٢٦٨.