وأجزائه وأعضائه.
وليس علمه هذا بذاته بحضور ماهيّة ذاته (١) عند ذاته حضورا مفهوميّا وعلما حصوليّا ، لأنّ المفهوم الحاضر في الذهن ـ كيفما فرض ـ لا يأبى بالنظر إلى نفسه الصدق على كثيرين (٢) ، وإنّما يتشخّص بالوجود الخارجيّ ، وهذا الّذي يشاهده من نفسه ويعبّر عنه ب «أنا» أمر شخصيّ بذاته غير قابل للشركة بين كثيرين. وقد تحقّق أنّ التشخّص بالوجود (٣) ، فعلمنا بذاتنا إنّما هو بحضورها لنا بوجودها الخارجيّ الّذي هو عين وجودنا الشخصيّ المترتّب عليه الآثار (٤).
وأيضا لو كان الحاضر لذواتنا عند علمنا بها هو ماهيّة ذواتنا دون وجودها ـ والحال أنّ لوجودنا ماهيّة قائمة به ـ كان لوجود واحد ماهيّتان موجودتان به ، وهو اجتماع المثلين ، وهو محال (٥). فإذا علمنا بذواتنا بحضورها لنا وعدم غيبتها عنّا بوجودها الخارجيّ ، لا بماهيّتها فقط. وهذا قسم آخر من العلم ، ويسمّى : «العلم الحضوريّ».
وانقسام العلم إلى القسمين قسمة حاصرة ، فحضور المعلوم للعالم إمّا بماهيّته (٦) وهو العلم الحصوليّ ، أو بوجوده وهو العلم الحضوريّ.
هذا ما يؤدّي إليه النظر البدويّ من انقسام العلم إلى الحصوليّ والحضوريّ ، والّذي يهدي إليه النظر العميق أنّ الحصوليّ منه أيضا ينتهي إلى علم حضوريّ.
بيان ذلك : أنّ الصورة العلميّة ـ كيفما فرضت ـ مجرّدة من المادّة عارية من القوّة ، وذلك (٧) لوضوح أنّها ـ بما أنّها معلومة ـ فعليّة لا قوّة فيها لشيء ألبتّة ، فلو
__________________
(١) أي : بحضور مفهوم ذاته.
(٢) ولا يخفى أنّ المفهوم الحاضر في الذهن من حيث إنّه مقيس إلى الخارج كلّيّ ، ومن حيث إنّه كيف نفسانيّ قائم بالنفس غير مقيس إلى الخارج جزئيّ خارجيّ يترتّب عليه آثارها الخاصّة الخارجيّة.
(٣) راجع الفصل الثالث من المرحلة الخامسة.
(٤) أي : الآثار الخاصّة.
(٥) أورد عليه بعض الأساتيذ من تلامذة المصنّف رحمهالله نقضا وحلّا ، فراجع تعليقته على نهاية الحكمة : ٣٥٠.
(٦) أي : بمفهومه.
(٧) أي : تجرّد الصورة العلميّة من المادّة. والمصنّف اكتفى لإثباته بذكر الدليلين المذكورين. وقد ـ