وتسمّى هذه الثلاثة الأخيرة ـ أعني ما بالطبع وما بالعلّيّة وما بالتجوهر ـ : «تقدّما وتأخّرا بالذات» (١).
السابع : التقدّم والتأخّر بالدهر ، وهما تقدّم العلّة التامّة على معلولها ، وتأخّر معلولها عنها ، لكن لا من حيث إيجابها وجود المعلول وإفاضته ـ كما في التقدّم والتأخّر بالعلّيّة ـ ، بل من حيث انفكاك وجودها وانفصاله عن وجوده وتقرّر عدم المعلول في مرتبة وجودها ، كتقدّم نشأة التجرّد العقليّ على نشأة المادّة. زاد هذا القسم السيّد المحقّق الداماد (٢).
الثامن : التقدّم والتأخّر بالحقيقة والمجاز ، وهو أن يشترك أمران في الاتّصاف بوصف ، غير أنّ أحدهما بالذات والآخر بالعرض. فالمتّصف به بالذات متقدّم بهذا التقدّم على المتّصف به بالعرض ، وهو متأخّر ، كتقدّم الوجود على الماهيّة الموجودة به ، بناء على أنّ الوجود هو الأصل في الموجوديّة والتحقّق ، والماهيّة موجودة به بالعرض. وهذا القسم زاده صدر المتألّهين قدسسره (٣).
__________________
ـ منفكّة عن كافّة الوجودات ـ كما زعمته المعتزلة ـ لكانت ماهيّة الجنس وماهيّة الفصل متقدّمتين على ماهيّة النوع بالتجوهر ، وكذا الماهيّة على لازمها ، ولا وجود فرضا حتّى يكون ملاك التقدّم والتأخّر». وقال في تعليقته على الأسفار ٣ : ٢٤٩ : «والقائل بتقدّم الماهيّة على الوجود المحقّق الدوانيّ والسيّد المحقّق الداماد وتابعوه».
(١) هذا هو المشهور بين الحكماء ، وأمّا المتكلّمون فجعلوا السبق بالذات قسما على حدة ، وهو سبق أجزاء الزمان بعضها على بعض.
(٢) راجع القبسات : ٣ ـ ١٨.
وأورد عليه المحقّق اللاهيجيّ بإرجاعه إلى التقدّم بالعلّية. راجع شوارق الإلهام : ١٠٤.
وقال الحكيم السبزواريّ ـ بعد ما فسّر كلام السيّد في القبسات ـ : «إنّ قدح المحقّق اللاهيجيّ رحمهالله فيه مقدوح بشرط الرجوع إلى ما ذكرته في بيان الحدوث الدهريّ». راجع شرح المنظومة : ٨٧.
والشيخ محمّد تقيّ الآمليّ قد تصدّى لبيان عدم ورود هذا الإيراد عليه على ما فسّر الحكيم السبزواريّ. راجع درر الفوائد : ٢٨٠ و ٢٨٣.
(٣) راجع الأسفار ٣ : ٢٥٧.