والعلامة تفسر باستصحاب حال العقل الحاكم بعدم التكليف قبل الشرع وبعد هذا جعلت البراءة أمارة على عدم الحكم من باب ان عدم الوجدان دليل على عدم الوجود ثم أرجعت إلى قانون استحالة التكليف بغير المقدور خلطا بين الجهل بالحكم بمعنى الإبهام المطلق وبين الشك وانما طرحت البراءة كأصل عقلي مؤمن من خلال تحقيقات مدرسة الأستاذ الوحيد البهبهاني ( قده ) وقد تقدم شرح ذلك مفصلا في أول الكتاب. وواقع المطلب ان هذه القاعدة عقلائية لا عقلية فتختص بالمولويات العرفية العقلائية ولا تتم في حق الشارع الأقدس التي تكون مولويته ذاتية ومطلقة شاملة للأحكام المعلومة والمشكوكة معا. وفي المولويات العقلائية لا يبعد الاختصاص بما بعد الفحص أي ان حكمهم بعدم حق الطاعة في موارد الجهل مختص بما إذا فحص المكلف عن الحكم الإلزامي ولم يجده لا ما إذا ترك الفحص عنه رأسا.

واما البراءة الشرعية فالمشهور بينهم ان أدلة البراءة الشرعية بنفسها وإن كانت مطلقة ولكن هناك مانع عقلي أو شرعي عن التمسك بهذا الإطلاق.

وفيما يلي نستعرض مهم الوجوه التي ذكرت أو يمكن ان تذكر لإثبات اختصاصها بما بعد الفحص :

الوجه الأول ـ ما هو المختار من قصور أصل مقتضي البراءة الشرعية فيما قبل الفحص وعدم الإطلاق في أدلتها ، وذلك يظهر بمقدمتين :

الأولى ـ ما تقدم الآن من إنكار البراءة العقلية وانها عقلائية بالمعنى المتقدم شرحه.

الثانية ـ انه مهما وجد ارتكاز عقلائي بنكتة عامة في مورد وورد من الشارع نصّ يطابقه كان ظاهر ذلك الخطاب إمضاء القانون العقلائي بما له من نكتة مركوزة فلا ينعقد فيه إطلاق أوسع من دائرة ذلك الارتكاز العرفي والعقلائي وإن فرض عدم قيد فيه بحسب المداليل اللغوية وهذه كبرى كلية طبقناها على دليل حجية خبر الثقة أيضا.

وبناء على هاتين المقدمتين يقال في المقام بان أدلة البراءة الشرعية تنصرف إلى إمضاء القانون العقلائي بمعذرية الجهل وبما ان هذا القانون مختص عندهم بما بعد الفحص فلا ينعقد في أدلة البراءة إطلاق لأكثر من ذلك.

لا يقال : غاية ما يثبت بهذا الوجه عدم الدليل على البراءة في الشبهة الحكمية قبل

۵۲۴۱