وفيه : انا إذا قطعنا النّظر عما سوف يأتي أمكن ان يقال في المقام بجريان البراءة عن سببية الأكثر فانها غير معلومة وانما المعلوم حصول الطهارة عند حصول الأكثر الا ان ذلك غير سببية الأكثر بما هو أكثر كما هو واضح.
والوجه الثاني ـ ان السببية أو جزئية الزائد للسبب وغير ذلك من الأمور كلها أمور وضعية انتزاعية وليست مجعولة للشارع ، فالركن الثاني لجريان البراءة منتف.
وفيه : أولا ـ هذا خلاف مسلكه المتقدم في أصل هذا البحث ، حيث أجرى البراءة عن الجزئية والمانعية بدعوى انها وان لم تكن مجعولة بالأصالة الا انها مجعولة بتبع جعل منشئها فيكون امر رفعها ووضعها بيد الشارع أيضا.
وثانيا ـ ان أصل شرطية هذا الركن في جريان البراءة غير صحيح ، لأن البراءة ليس رفعا واقعيا بل ظاهريا بمعنى رفع إيجاب الاحتياط فلا بد وان يكون ما يجري عنه البراءة قابلا لا يجاب الشارع للاحتياط تجاهه عند الشك فيه أي يكون قابلا للتنجيز ، ولهذا قلنا في البراءة عن الجزئية بأنها وان كانت قابلة للرفع والوضع من قبل الشارع ولكنها لا تجري البراءة عنها لأن الجزئية ليست منشأ للتنجز وإيجاب الاحتياط ، فالميزان ملاحظة ذلك سواء كان الموجود الواقعي للمشكوك قابلا للرفع الشرعي واقعا أم لا فسببية الأكثر في المقام ولو فرضت امرا غير قابل للرفع الشرعي إذا كان يعقل إيجاب الشارع للاحتياط تجاهها أي مما تدخل في العهدة وتتنجز جرت البراءة عنها.
والتحقيق ان يقال : ان المحصل إذا كان عرفيا فنفس عرفيته قرينة على ان المولى لم يتكفل بإيجاب السبب وإدخاله في العهدة بل أوكل ذلك إلى المكلف وادخل المسبب في عهدته كما إذا قال ( اقتل المشرك ) فيجب الاحتياط عند الشك في محصله ، واما إذا لم يكن عرفيا اما لكون المسبب شرعيا أو لإبهامه وغموضه فنفس عدم عرفيته قرينة عامة على ان المولى هو الّذي تكفل بيان السبب وتحديده فيكون مقدار اهتمام المولى بغرضه بمقدار بيانه للسبب ، وفي مثل ذلك الّذي يجب بحسب الحقيقة ويدخل في عهدة المكلف ليس هو ذلك الغرض والمسبب المجهول بل المقدار المبين من السبب فإذا شك في بيان المولى لدخالة الزائد في السبب كان مجرى للبراءة لا عن السببية بل عن مقدار ما يهتم به المولى ويدخله في عهدة المكلف وهو السبب.