معارضه الساقط في زمن متقدم يمكن ان يكون مبنيا على أحد تصورين :
الأول ـ قياس ذلك بما إذا صدر من المولى في زمن واحد كلامان متعارضان ثم بعد مدة صدر منه كلام آخر يطابق أحدهما ويخالف الآخر فانه يؤخذ به ولا يجعل طرفا للمعارضة مع ما يخالفه من الكلام الأول لأنه معارض بما أوجب إجماله فيقال في المقام ان حال الأصل الثالث حال الكلام الثالث.
ومن الواضح ان هذا القياس في غير محله ، فان الأصول الثلاثة نسبتها إلى كلام المولى من حيث الصدور على حد سواء وليست كلمات ثلاثة صادرة منه كما لا وجه لافتراض ان الأصلين الأوليين معارضان متصلان في كلام واحد دون الثالث.
الثاني ـ ان يتصور بان المعارضة بين الأصول تكون بلحاظ مرحلة الفعلية وحيث ان مرحلة فعلية الأصلين الأوليين قبل فعلية الأصل الثالث فيتساقطان أولا وينجو الأصل الثالث عند فعليته من السقوط لعدم وجود ما يعارضه في مرحلة الفعلية.
وهذا التصور أيضا خاطئ ، وتوضيح ذلك يكون بذكر مقدمتين :
الأولى ـ ان الخطابات الشرعية المجعولة على نهج القضايا الحقيقة انما تتكفل الجعل على الموضوعات المقدرة الوجود واما مرحلة الفعلية ـ رغم الخلاف بيننا وبين المشهور في تفسير معنى الفعلية ـ فهي ليست مدلولا للخطاب بل تتبع فعلية الموضوع خارجا وحيث ان الخطابات انما تتكفل مرحلة الجعل أي تتكفل أحكاما على موضوعات مقدرة بقطع النّظر عن وجودها في الخارج بالفعل فهي تنظر إلى تلك الموضوعات وتفترضها في عرض واحد وان فرض تدرجها زمانا في الوجود ، ( فأكرم كل عالم ) ينظر في عقد موضوعه إلى افراد العلماء في عرض واحد وان وجد خارجا عالم قبل عالم آخر وهذا واضح.
الثانية ـ ان التعارض يعني التنافي بين الدلالتين والمدلولين وبما ان الخطابات تتكفل مرحلة الجعل لا فعلية المجعول فلا محالة يكون التعارض الواقع في دليل بلحاظ فردين منه تعارضا في نفس عالم الجعل من أول الأمر حيث يكون معنى عدم اجتماع فردين منه تخصيص الجعل بقيد مردد بين إخراج أحد فرديه على الأقل فيقع التنافي في مرحلة الجعل بين إطلاقي الخطاب لا محالة واما التنافي في الفعلية فليس بنفسه تعارضا أصلا.