أولاهما ـ استقراء الجانب التاريخي للمسألة.
الثانية ـ في استعراض ما استدل به على قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
اما الجهة الأولى ـ فقبل الشيخ الصدوق ( قده ) لم يكن لهذه القاعدة عين ولا أثر وامّا في عصره فيظهر منه انه يقول بالإباحة عند الشك في الإلزام ولكن لم يظهر منه انه يقصد البراءة العقلية فلعل مراده الإباحة الشرعية. واما فيما بعد الصدوق فالشيخ المفيد والطوسي ( قد هما ) لم يظهر منهما تبني هذه القاعدة العقلية بل قد يستشم من كلامهما العكس فانه كانت هناك مسألة أصولية يبحث فيها عن حكم الأصل في الأشياء هل هو الحظر أو الإباحة فيما إذا لم يستقل العقل فيه بالقبح أو الحسن فقيل فيه بالحظر لأنه لا يؤمن من وقوع المفسدة بسبب الإقدام وهذا الطرز من التفكير لا يناسب مع قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
وبعد الشيخ الطوسي ( قده ) بفترة قرن من الزمان تقريبا نجد انّ ابن زهرة ( قده ) يذكر البراءة العقلية ولكن بحسب الظاهر لم يكن يقصد بها قبح العقاب بلا بيان بالمعنى المعروف حاليا وانما كان يقول بقبح التكليف مع عدم العلم لأنه من التكليف بغير المقدور ومن هنا تحير المتأخرون عنه في كيفية تفسير ذلك وانه كيف يكون الجهل موجبا لانتفاء القدرة فحملوا كلامه على انّ المقصود انّ الامتثال التفصيليّ غير مقدور.
وبعد ذلك جاء دور المحقق ( قده ) فاستدل على البراءة بتقريبين :
الأول ـ استصحاب حال العقل ، وفي هذا التقريب ارجع البراءة إلى كبرى الاستصحاب ، ومن الواضح انّ الاستصحاب غير قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
الثاني ـ انّ التكليف بشيء مع عدم نصب دليل عليه قبيح وعدم وصول الدليل دليل على عدم وجوده ، وهذا أيضا غير القاعدة.
وبعد المحقق شاع إدراج البراءة في الأدلة العقلية ، لأنّ كلا التقريبين المتقدمين عن المحقق ( قده ) يدرجها في الأدلة العقلية لأنّ الاستصحاب عندهم كان بحكم العقل كما انّ التقريب الثاني عقلي وقد ذهب صاحب المعالم ( قده ) إلى التقريب الثاني ونقل في الرسائل ذلك عن القوانين واستغرب منه.