الاطمئنان ليس معناه الا ان ما يقابله من الكسر الضئيل ليس منجزا ففيما نحن فيه يكون احتمال النجاسة مثلا الّذي يقابله الاطمئنان ليس بمنجز فالمكلف يجوز اقتحام المخالفة بهذا المقدار وهذا انما يكون فيما إذا أراد اقتحام طرف واحد لا ما إذا أراد اقتحام أطراف عديدة فانه بذلك يواجه احتمالا للنجاسة أكبر قيمة أي لا يقابله اطمئنان بحكم حساب الاحتمالات وكيفية نشوء هذا الاطمئنان كما عرفت.
وهكذا يتضح ان دليل حجية هذه الاطمئنانات لا يقتضي في نفسه أكثر من الحجية البدلية لها لا الحجية التعيينية الشمولية ليلزم الترخيص في المخالفة القطعية.
لا يقال ـ لو فرض ان علمنا الإجمالي كان مقرونا بالشك البدوي بنحو لم يحصل الاطمئنان بالطهارة في كل فرد كما لو كنا نحتمل نجاسة الجميع أيضا احتمالا منافيا للاطمئنان وفرض عدم تعين واقعي للمعلوم بالإجمال كما إذا كان العلم الإجمالي وليد الاحتمالات الثابتة في الأطراف فلا يجدي هذا التقريب لإثبات جواز الاقتحام إذ لا اطمئنان في كل طرف بالطهارة ليتخذ منه مؤمنا عن المعلوم الإجمالي.
فانه يقال ـ العلم الإجمالي انما ينجز التكليف المعلوم بالإجمال فقط لا أكثر فالنجاسات الأخرى المحتملة في كل طرف في نفسها مؤمن عنها من أول الأمر والنجاسة أو الحرمة الواحدة المعلومة بالإجمال بهذا العنوان الإجمالي انطباقه في كل طرف على خلافها اطمئنان مؤمن.
وهكذا يتضح ان هناك منهجين لإثبات سقوط العلم الإجمالي عن المنجزية إذا كانت أطرافه غير محصورة أحدهما سقوطه بلحاظ أدلة الأصول الترخيصية والآخر سقوطه بلحاظ حصول الاطمئنان بعدم انطباق المعلوم بالإجمال في كل طرف ويمتاز المنهج الثاني على الأول بأنه يتم حتى في الشبهة التي لا يوجد في موردها أصل ترخيصي كما إذا كان من الشك في المكلف به أو كان دليل الأصل قاصرا عنه لأن التأمين مستند فيه إلى الاطمئنان لا الأصل (١).
ثم انه قد استدل في كلمات المحققين على عدم منجزية العلم الإجمالي في الشبهة غير
__________________
(١) كما يمتاز المنهج الأول بأنه يتم في أكثر من طرف واحد من أطراف الشبهة غير المحصورة بينما لا يتم فيه المنهج الثاني إذ لا اطمئنان على خلاف احتمال انطباق المعلوم الإجمالي فيه ، وكذلك فيما إذا كان احتمال انطباق المعلوم الإجمالي في بعض الأطراف في نفسه كبيرا.