العقاب بل بقاعدة عقلية أخرى هي عدم إمكان إدانة العاجز المعبر عنها بالتخيير العقلي. وان أريد إجراء البراءة العقلية بعد إبطال منجزية العلم الإجمالي وبيانيته بالقاعدة العقلية المشار إليها فلا معنى لذلك ، لأن تلك القاعدة بنفسها تتكفل الترخيص العقلي ولا محصل للترخيص في طول الترخيص.
ويلاحظ على هذا الكلام ان المدعى إجراء البراءة ـ بعد الفراغ عن عدم منجزية العلم الإجمالي ـ عن احتمال الوجوب أو الحرمة في نفسه كما لو لم يكن علم إجمالي بالإلزام فنطبق البراءة العقلية لا ثبات التأمين من ناحيته فهذا ملاكه تام في نفسه ولو كان ملاك الاضطرار الّذي يسقط العلم الإجمالي عن البيانية تاما أيضا فما ينفي بالبراءة العقلية غير ما ينفي بملاك الاضطرار وعدم إمكان إدانة العاجز عن الوظيفة العلمية (١).
هذا كله بالنسبة إلى البراءة العقلية.
واما البراءة الشرعية ، فقد اختلفت كلمات الأصحاب أيضا في جريانها وعدمه ، ويمكن ان تذكر للمنع عن جريانها وجوه عديدة.
الوجه الأول ـ ما أفاده المحقق العراقي ( قده ) وهو وجه ثبوتي كالذي ذكره في المنع عن البراءة العقلية من ان جريانها فرع عدم منجزية العلم الإجمالي في المرتبة السابقة ، لأن منجزيته تمنع عن البراءة ، وسقوط العلم الإجمالي في المقام عن التنجيز انما يكون بملاك الاضطرار وعدم إمكان إدانة العاجز ، وفي طول ذلك لا معنى للبراءة والترخيص.
ويرد عليه : مضافا إلى ما تقدم من ان البراءة الشرعية تجري عن احتمال التكليف في كل من الطرفين في نفسه بعد الفراغ عن سقوط العلم الإجمالي عن المنجزية ، ان معنى جريان البراءة الشرعية نفي إيجاب الاحتياط شرعا بلحاظ الوجوب أو الحرمة
__________________
(١) هذا مبنى على المنهج المشهور في فهم قاعدة قبح العقاب بلا بيان ومنجزية العلم أو الاحتمال ، واما على المنهج الصحيح والمختار من ان مرد كل ذلك إلى تحديد دائرة المولوية وحق الطاعة بلحاظ حالات العلم بالتكليف والشك فيه بنحو تكون نفس الحالة العلمية ودرجة الانكشاف والوصول موضوعا لحق الطاعة فينبغي ان يقال : بأنه لا موضوع لحق الطاعة والمولوية في موارد الدوران بين المحذورين ـ سواء علم بأصل الإلزام أم لا لأن هذا الحق كسائر مدركات العقل العملي موضوعه الاختيار وعدم الاضطرار فمع الاضطرار إلى المخالفة الاحتمالية على كل حال لا موضوع للإدانة وحق الطاعة من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، فلا مقتضي للتنجيز لا ان هناك مقتضيين متزاحمين كما لا موضوع للبراءة العقلية.