واستحالة الترجيح بلا مرجح حكمان عقليان يشكلان بمجموعهما البرهان على عدم اقتضاء العلم الإجمالي في موارد الدوران بين المحذورين لتنجيز شيء. هذا حال العلم الإجمالي بالإلزام.
واما احتمال كل من الوجوب والحرمة فتارة يلحظ اقتضاؤه للمنجزية بما هو طرف من علم إجمالي يستمد منجزيته منه ، وأخرى يلحظ اقتضاؤه للمنجزية في نفسه. اما الأول فقد عرفت ان العلم الإجمالي في خصوص المقام لا يعقل ان يكون منجزا عقلا.
واما الثاني فان قيل بمنجزية احتمال التكليف في نفسه وإنكار قاعدة قبح العقاب بلا بيان ـ كما هو المختار ـ فكل واحد من الاحتمالين لو خلي ونفسه كان منجزا لمتعلقه من الفعل أو الترك ، فان الاحتمال انما ينجز متعلقه وهو معقول في المقام بالنسبة إلى كل من احتمال الوجوب واحتمال الحرمة في نفسيهما وانما يقع بينهما التزاحم في مقام التأثير والاقتضاء لأن تنجيز هما معا محال وتنجيز أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح فلا يتنجز شيء منهما وهو معنى التخيير عقلا.
وبهذا يتضح ان كلا من احتمال الوجوب واحتمال الحرمة لا يكون منجزا في المقام لا بملاك الطرفية للعلم الإجمالي ولا في نفسيهما ولو لم يكونا طرفا للعلم ـ كما هو كذلك فيما إذا احتمل الإباحة أيضا فلم يعلم بجنس الإلزام ـ لوقوع التزاحم بين المقتضيين ، هذا كله على مسلك حق الطاعة.
واما على القول بالبراءة العقلية فلا إشكال في البراءة والترخيص بملاك التخيير ، وانما المهم ملاحظة جريان البراءة العقلية أي الترخيص بملاك عدم البيان.
وقد أفاد المحقق العراقي ( قده ) عدم جريانها ببيان حاصله بتوضيح منا : ان العلم الإجمالي وان لم يكن منجزا وهذا يعني ترخيص العقل في الإقدام على الفعل أو الترك الا انه ترخيص بملاك الاضطرار وعدم إمكان إدانة العاجز عقلا من تحصيل الموافقة القطعية لا بملاك عدم البيان الّذي هو البراءة العقلية وعليه فان أريد إبطال منجزية العلم الإجمالي بنفس البراءة العقلية فهو مستحيل لأنها فرع عدم البيان ، فهي لا تحكم بان هذا بيان أو ليس ببيان لأنها لا تنقح موضوعها بل لا بد من إثبات عدم البيان في الرتبة السابقة عليها أي تجريدها من المنجزية والحجية ، وهذا لا يكون بقاعدة قبح