فيرجع بهذا اللحاظ الأمر بالصوم بالدقة إلى الأمر بقصد القربة على تقدير الصوم ، وهذا غير معقول لأنَّ الأمر بشيء يستحيل أَنْ يكون محركا نحو متعلقه مشروطاً بتحقق متعلقه ، إذ لا يراد بقصد القربة إلاّ محركية الأمر وداعويته وفي طول وقوع الشيء خارجاً لا يعقل داعوية الأمر نحوه (١).
والصحيح : انَّ مقصود صاحب الكفاية أساساً من التزاحم في المقام التزاحم الملاكي الّذي هو مصطلحه دائماً لا التزاحم الامتثالي والأمر الترتبي ، وحيث انَّ التزاحم الملاكي يقتضي ثبوت ملاك الأمر وإِنْ سقط خطابه فأراد صاحب الكفاية أَنْ يصحح العبادة المكروهة في هذا القسم على أساس ذلك.
وقد يستشكل : بأنَّ ترك الصوم يوم عاشوراء إذا كان فيه مصلحة غالبة وأهم من مصلحة الفعل ولهذا طلب الترك فسوف يكون الصوم الضد العام للمأمور به ، وبناء على انَّ الأمر بشيء يقتضي النهي عن ضده العام سوف يكون الصوم منهياً عنه نهي كراهة ومبغوضاً تبعاً ومعه لا يقع عبادة مقربة إلى المولى.
وفيه : انَّ هذا يكفي في دفعه ما تقدم مراراً من انَّ النهي الغيري لا يوجب الفساد ، ويمكن أَنْ يكون نظر صاحب الكفاية دفع مثل هذا النقاش حينما عبَّر بوجود مصلحة تنطبق على الترك ممّا يعني انَّ المأمور به ليس هو نفس الترك وإِنَّما عنوان وجودي ينطبق عليه ، كمخالفة بني أُمية مثلاً ، فلا يكون نقيضه هو فعل الصوم حتى لو قلنا بأنَّ النهي الغيري يقتضي الفساد. وأيّا ما كان ما ذكره صاحب الكفاية في هذا القسم من العبادات المكروهة يرجع إلى حمل النهي على إرادة طلب الترك أو عنوان منطبق عليه.
__________________
(١) وامّا ما أفيد من انَّ النهي يمكن أن يكون متعلّقاً بالتعبد والأمر متعلق بذات الفعل فأحدهما موضوعه غير الآخر بل في طوله فيرد عليه بعد تسليم مبناه الفقهي :
أولا : بطلان المبنى الأصولي فان التعبد وقصد القربة مأخوذ في متعلّق الأمر العبادي.
وثانياً : انَّ محذور الاجتماع انَّما هو في عالم مبادئ الأمر وبملاك التضاد والقائل بعدم أخذ القيد في الأمر انَّما يقول به بلحاظ مرحلة تعلّق الأمر وشرطية القدرة فيه مع اعترافه بأخذه في المبادئ ولهذا افترض أمراً بالتعبد متمّماً للجعل في مرحلة الأمر فالمحذور لا يرتفع بما ذكر.
وثالثاً : إذا فرض متعلّق النهي عنواناً منطبقاً على الفعل لزم محذور الاجتماع وان فرض مبايناً معه وهو حيثية التعبد وداعوية الأمر فهذا معناه الأمر بالفعل والنهي عن داعويته وهو تهافت وتناقض بالعرض لأن داعوية الأمر من مقتضياته ولوازمه كما انه حينئذٍ لا يمكن الإتيان بمثل هذا الفعل من أجل المولى ولو كان النهي كراهة لا حرمة
.