مزاحما مع مفسدة ، إذ لو كانت غالبة بطلت العبادة ولو كانت مغلوبة فجعل النهي على طبقها يضيع مصلحة الأمر ، كما انَّ النهي المولوي عن الخصوصية الملازمة مع المأمور به يتنافى مع الأمر بذي الخصوصية.
ولهذا حاول صاحب الكفاية ( قده ) أَنْ يستأنف في المقام جواباً آخراً حاصله :
إن النهي في المقام ليس بملاك مبغوضية الصوم يوم عاشوراء بل روحه طلب ترك الصوم في هذا اليوم لوجود مصلحة أخرى منطبقة على الترك أهم من مصلحة الفعل فيكون من التزاحم بين الملاكين والمحبوبيتين فلا يلزم مبغوضية العبادة أو حرمتها (١).
وأشكلت مدرسة المحقق النائيني ( قده ) على هذا الجواب بعد أَنْ فسرت التزاحم فيه بالتزاحم في مقام الامتثال ـ الّذي هو مصطلح هذه المدرسة من التزاحم ـ بأنَّ هذا غير معقول لأنَّ التزاحم بين الفعل والترك غير معقول ، بل لا يعقل ذلك حتى إذا فرضنا انَّ المصلحة في عنوان آخر منطبق على الترك ، إذ لا يعقل التزاحم بين شيئين لا يرتفعان أي وجود أحدهما ضروري على كل حال ، فانه لو أُريد الأمر بهما معاً كان محالاً ولو أُريد الأمر بكل منهما على تقدير ترك الاخر فهو تحصيل للحاصل على ما بين في محله من بحوث التزاحم (٢).
وحاول السيد الأستاذ دفع هذا الاعتراض : بأنَّ المقام ليس من النقيضين أو الضدين اللذين لا ثالث لهما بل من الضدين اللذين لهما ثالث ، إذ توجد عندنا ثلاثة أمور الصوم بقصد القربة والإمساك من دون قصد الصوم والقربة وعدم الإمساك أصلاً ، والعبادة هو الأمر الأول والمصلحة الأقوى في الأمر الثالث ويمكن التزاحم بينهما لإمكان تركهما بإتيان الفعل مجرداً عن قصد القربة كما في سائر الموارد (٣).
وهذا الجواب من الأستاذ لو سلّمنا مبناه الفقهي فلا نسلم صحته أصولياً ، لأنَّ الأمر بالصوم يوم عاشوراء ككل أمر ترتبي في مقام التزاحم لا بدَّ وأَنْ يكون مشروطاً بترك الاشتغال بالأهم أو المساوي ، وهو في المقام ترك ترك الصوم أي الصوم نفسه ،
__________________
(١) نفس المصدر ، ص ٢٥٧ ـ ٢٥٩
(٢) أجود التقريرات ، ج ١ ، ص ٣٦٤ ـ ٣٦٥
(٣) هامش المصدر السابق