الحكم الاخر.
التخريج الثاني ـ ما يستفاد من بعض عبائر الكفاية ويتألف من مقدمتين :
الأولى ـ انَّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد لا بما هي هي بل بما هي مؤثرة في الحسن والقبح عقلاً لأنَّ الواجبات الشرعية انعكاس للواجبات والألطاف العقلية.
الثانية ـ انَّ تأثير المصلحة والمفسدة في الحسن أو القبح العقليين فرع وصولهما لأنَّ الفعل الحسن أو القبيح لا يقع على تلك الصفة إلاّ مع العلم والالتفات من الفاعل إلي الحيثية وجهة الحسن والقبح فمع الجهل لا حسن ولا قبح ، فلا ملاك ولا فعلية للحرمة حتى يضاد الوجوب (١).
ويرد عليه :
أولاً ـ النقض ، بسائر موارد التعارض كما تقدم.
وثانياً ـ لو سلمنا ما جاء في هذا التقريب اختص بما إذا كان الجهل بالموضوع كما إذا لم يكن يعلم بغصبية الدار ـ لا بالحكم والكبرى فمن كان يعلم بغصبية الدار كان تصرفه فيه قبيحاً عقلا ولو فرض جهله بكبرى الحرمة والقبح ، فهذا التخريج لا يثبت مدعى المشهور.
وثالثاً ـ عدم صحة المبنى فانَّ الأحكام ليست تابعة للمصالح والمفاسد بما هي مؤثّرة في الحسن والقبح العقليين ، كيف وإِلاّ لزم توقفها على وصول تلك المصالح ومعرفة العباد بحيثياتها مع انَّها لا تعلم إِلاّ في طول فعلية الأحكام والعلم بها.
التخريج الثالث ـ ما يظهر من بعض عبائر الكفاية أيضاً ، وهو مبنيٌ على أصل موضوعي تقدم شرحه فيما سبق من انَّ موارد الاجتماع يكون ملاك كل من الحكمين فعلياً فيه والتمانع بين الحكمين ، فانه بناء على هذا المبنى الّذي افترضه أصلاً موضوعياً لبحث الاجتماع يقال بالتفصيل بين صورتي الجهل بالحرمة والعلم بها ، لأنه مع الجهل وعدم تنجز الحرمة يمكن للمكلف أَنْ يتقرب بالأمر فتقع العبادة صحيحة إذ لا يشترط في صحة عبادة والاجتزاء بها إلاّ اشتمالها على ملاك الأمر وإمكان التقرب بها
__________________
(١) نفس المصدر ، ص ٢٤٧