نعم إذا تعلّق الأمر بعنوان الجنس والنهي بالفصل انطبق الملاك الثاني للجواز دون الثالث ، كما إذا أمر برسم الخطّ ونهى عن انحنائه ـ والانحناء فصل للخطّ المنحني ـ فانَّه بناء على الملاك الثاني يجوز ذلك لتعدد العنوان وحيثيّة الانحناء الفصل من المبادئ بالنسبة إلى الخطّ وليس بينهما محور مشترك.

وامَّا بناء على الملاك الثالث فلا يجوز ذلك لأنَّ الفصل خارجيته بوجوده ووجوده في الخارج بعين وجود الجنس ، ولهذا قلنا فيما سبق انَّ هذا الملاك يشترط فيه أَنْ يكون العنوانان عرضيين أي ليسا طوليين كالجنس والنوع والفصل حيث انَّ الفصل متمّم للجنس وفي طوله والوجدان شاهد على صحّة الأمر بالخطّ مع النهي عن انحنائه وهذا بنفسه منبّه وجداني يدلّ على كفاية تعدد العنوان في جواز الاجتماع وإِنْ كان المعنون واحداً بحسب عالم الوجود الخارجي ، وهكذا نستنتج انَّ النسبة بين الملاك

__________________

المفاهيم المنتزعة من الخارج ولهذا يمكن للعقل استخدامها في المتقابلات ، وإِنْ أُريد اشتراكهما في المصداق والمعنون فهذا صحيح إِلاّ انه ليس من الاشتراك في المفهوم وقد ذكرنا في الملاك الثاني انَّ متعلّق الأمر والنهي ليس هو الخارج وانَّما هو المفهوم والعنوان بالحمل الأوّلي وهو متعدد بحسب الفرض ورجوع التخيير العقلي إلى الشرعي لا يعني تعلّق الأمر بالخارج والمعنون بل يعني تعلّقه بالعنوان الخاصّ وهو مباين مع العنوان الآخر وإِنْ اتّحدا في الخارج.

وامَّا صحّة الأمر بالخطّ والنهي عن الانحناء فيه فهذا خارج عن البحث باعتبار انَّه من الأمر بفعل والنهي عن خصوصيّة فيه وتغايرهما ثابت حتى عند القائل بالامتناع ، فانّه من الأمر بالعنوان الاشتقاقي والنهي عن خصوصيّة المبدأ فيه وتعدّدهما لا كلام فيه ، كما لو أمر بالصلاة ونهى عن كونها في الحمام ، وكون المنطقي يعتبر الانحناء أو منشأه فصلاً متّحداً في الوجود مع وجود الجنس لا يمنع عن كونه بحسب عالم المفاهيم التي هي متعلّقات الأحكام يعتبر صفة ومبايناً في الوجود عن وجود موصوفه.

وأيّاً ما كان فلا بدَّ من استئناف وجه آخر لإثبات الامتناع في مثل الصلاة والغصب إذا كان الوجدان يحسّ بامتناع اجتماع الأمر بأحدهما مع النهي عن الآخر بالرغم من تعددهما عنواناً ، وبهذا الصدد يمكن أَنْ نذكر بيانين لتوجيه هذا الوجدان.

الأول ـ دعوى انَّ الذهن البشري يتعامل مع العناوين كلّها بشكل واحد وهو الإشارة بها إلى الخارج فكما انَّه يشير ويرمز بالعناوين الاعتبارية كعنوان أحدهما إلى المعنون الخارجي كذلك في العناوين الحقيقية ويرمز بها إلى الخارج ، لا بمعنى انَّه يرمز بها إلى وجود الطبيعي والكلّي في الخارج إذ لا معنى للكلّي إِلاّ إمكان الرمز والإشارة بالمفهوم إلى خارجيّات عديدة بل بمعنى انَّه يرمز بها مباشرة إلى المعنونات والوجودات الواقعيّة في الخارج ، وعلى هذا سوف يكون الأمر بالصلاة والنهي عن الغصب كالأمر بأحدهما والنهي عنه والّذي تقدّم في التحفّظ الثاني امتناعه.

وهذا البيان مبنيّ على ما تبنته المدرسة الوضعيّة في المنطق من إنكار المفاهيم والقضايا الكلّيّة وافتراض أنَّ العناوين ليست إِلاّ رموزاً وإشارات يستخدمها الذهن في التعامل مع الخارج.

الثاني ـ انَّ الذهن عند ما يرى اجتماع عنوانين متغايرين على معنون واحد فسوف يرى كأنَّ أحدهما أصبح مصداقاً للآخر بالعرض في ذلك المورد ـ وإِنْ لم يكن مصداقاً له بالذات ـ وبهذه الرؤية لا يمكن أَنْ يتعلّق بأحدهما الأمر وبالآخر النهي فانه تهافت.

۴۵۵۱