ومائتي رطل وعلى تقدير إرادة المكي من الأول والعراقي من الثاني يكونان متطابقين فحينئذٍ يمكن رفع الإجمال في ذلك بإحدى طريقتين :
١ ـ الطريقة المتقدمة في النوع المتقدم حيث يقال بأنَّ مقتضى أصالة الجهة في كل منهما تعيين مفاد كل منهما في معنى واحد وهو جعل الكرية لستمائة رطل بالمكي الّذي هو الألف ومائتان بالعراقي لأنَّ أي حمل اخر ينافي جريان أصالة الجد فيهما ، وهذا التقريب كما عرفت موقوف على جريان أصالة الجهة في أمثال المقام وقد تقدم انَّ الصحيح جريانها.
٢ ـ انَّ مقتضى القاعدة حجية كل من الدليلين حيث لا يحرز التعارض بينهما لاحتمال انَّ المراد بكل منهما ما يوافق الاخر فنثبت بذلك قضيتين مجملتين إحداهما ( انَّ الكر ستمائة رطل ) والأخرى ( انه الف ومائتا رطل ) ولا بأس بثبوت هاتين القضيتين المجملتين على إجمالهما لو كان يترتب عليهما أثر عملي كما في المقام حيث انَّ لازم صدقهما عقلاً انَّ الكر هو ستمائة رطل عراقي الّذي هو الف ومائتا رطل مكي ، وإِن شئت قلت : انَّ الدليلين في المقام ليس إجمالهما إجمالاً مطلقاً بل إجمال كل منهما تقارنه دلالة لا إجمال فيها في الأُخرى فرواية الستمائة تدل على انَّ الكرّ ليس بأكثر من ستمائة رطل مكي على جميع محتملاتها ورواية الألف ومائتين تدل على انه ليس بأقل من الف ومائتين بالعراقي وهاتان الدلالتان لا يعلم بكذبهما لتوافقهما فيؤخذ بهما لا محالة وبه يثبت المطلوب(١).
__________________
(١) لا يقال : هذه الدلالة في كل منهما لازم لمفاد الدليل المردد بين العراقي والمكّي فإذا لم يكن يجري في المدلول المطابقي للمفاد أصالة الجهة والجد بناءً على الإشكال المتقدم لكونه مردداً بين مقطوع البطلان ومشكوك الثبوت فلا يمكن إثبات هذا اللازم أيضاً وامّا صدق القضيتين المجملتين فإذا أُريد به صدق الجامع في كل منهما فالمفاد والمدلول لكل منهما ليس هو الجامع بل كل منهما بخصوصه ، وإِن أُريد الفرد المردد ورد الإشكال المتقدم فهذا البيان امّا أَن يرجع إلى البيان الأول أو لا يكون تاماً.
فانه يقال : إنَّ كل ظهور ودلالة أُحرز ولو بالالتزام وللجامع المردد فالأصل حجيته ما لم يعلم بطلانه أو وجود المعارض له ، ولا يقاس بالأصول العملية فانه باعتبار أخذ عنوان الشك في موضوع أدلتها لا تكون جارية في موارد الفرد المردد. إِلاَّ انَّ هذا انما يجدي فيما إذا كان هناك مدلول للظهور ولو بالالتزام كما في المقام فلا يجدي في المورد السابق لما قلناه من انَّ المعنى المراد إثباته على أحد التقديرين ليس مدلولاً للفظ لا مطابقة ولا التزاماً ، بخلاف المقام حيث انَّ الحد الأقصى والحد الأدنى مدلول لكل من الروايتين على كل المحتملات فهو ظهور متعين محرز يشك في وجود المعارض له.