بأنَّ المراد بالخطاب الإنشائي إِنْ كان هو قصد التفهيم وتوجيه الكلام إلى المخاطب فهذا عين المخاطبة الحقيقية التي قد أنكر السيد الأستاذ وضع أداة الخطاب بإزائها.
وإِنْ أُريد به إيجاد الخطاب والمخاطبة بالكلام نظير إيجاد التمني وإيجاد الاستفهام به وهكذا سائر الأمور الإنشائية فهذا ينسجم مع مسالك صاحب الكفاية ( قده ) في باب الإنشاء من انه إيجاد للمعنى باللفظ ولا ينسجم مع مسلكه من عدم معقولية إيجاد المعنى باللفظ (١).
والصحيح : انَّ أدوات الخطاب كسائر أدوات الإنشاء موضوعة بإزاء نسبة تصورية خاصة بين المُخاطِب والمُخاطَب كالنسبة الطلبية والاستفهامية وغيرها والتي نعبر عنها بمفهوم اسمي هو المخاطبة والنسبة الخطابية ، وامّا قصد المخاطبة فمدلول تصديقي وليس مدلولاً وضعياً لأدوات الخطاب لأنَّ المدلول الوضعي كما عرفت في بحوث الوضع تصوري بحت وامّا المدلول التصديقي فيثبت بدلالة السياق والظهور الحالي ، فكما انَّ ظاهر حال المتكلم إذا استعمل الأمر أو النهي انه في مقام الجد وبداعي الطلب الحقيقي كذلك في المقام يكون مقتضى الظهور السياقي انه يستعمل أدوات الخطاب بداعي المخاطبة الحقيقية وقصد التفهيم ، فالعناية الحاصلة في موارد الخطابات غير الحقيقية كخطاب الليل أو الطير ليست من ناحية تخلف المدلول الوضعي وعدم استعمال أدوات الخطاب فيما وضعت له بل من باب تخلف المدلول السياقي ونظير استعمال الأمر في موارد السخرية أو التعجيز أو التهديد ونحوها (٢).
__________________
(١) بل هناك معنى معقول لإيجاد المعنى باللفظ لعله نتعرض له في بحوث الخبر والإنشاء ، ولكن هذا المعنى الإنشائي أيضاً يختص بالمخاطب الحقيقي ، فليست الإنشائية تساوق التعميم دائماً.
(٢) ولكن يبقى البحث عن ان هذه النسبة التصورية في معنى أدوات المخاطبة طرفها المشافه الحاضر بالخصوص أو الأعم منه ومن الغائب والمعدوم وهذا يبتني أولاً على تحقيق أن حقيقة المخاطبة ما هي وأَنْ هذه النسبة هل يمكن ان تتصور مع الأعم من الحاظر أم لا. ويتوقف ثانياً على تشخيص ان أدوات الخطاب هل هي موضوعة لذلك المعنى بعد فرض معقوليته أم لا؟ والصحيح كما أشرنا معقولية مخاطبة الغائب أو المعدوم بالمعنى الّذي تقدم للمخاطبة وقصد الإفهام كما ان أدوات الخطاب ليست موضوعة للنسبة القائمة بين المتكلم والمخاطب الحاضر بالخصوص بل يتحدد طرف النسبة في كل مورد بحسب ما وقع موضوعاً لها أو تشخصه القرائن والمناسبات بنحو تعدد الدال والمدلول ، واما الظهور الحالي الكاشف عن قصد التفهيم فهو يتحدد في طول تحديد المدلول التصوري وانه النسبة الخطابية بين المتكلم والحاضر بالخصوص أو الأعم منه ، لأن ملاك هذا الظهور ما أشير إليه من ان ظاهر حال كل متكلم إرادة مدلول كلامه جداً فإذا كان المدلول المعنى الأعم كان المقصود ذلك أيضاً.