والحكم الشرعي في حالتي العصيان والامتثال معاً.
التقريب الثاني : انَّه لو كان الحكم متعلقاً بالوجود الخارجي لكان متأخراً مرتبة عن الوجود الخارجي مع انَّه من مبادئ الوجود الخارجي والدواعي لا لإيجاده فيستحيل أَنْ يكون عرضاً من أعراضه ، وهذا هو معنى ما يقال من انَّ العلّيّة تنافي العروض ، ولا يمكن الجواب عليه : بما ذكره المحقق الأصفهاني من التفرقة بين الوجود العلمي والوجود الخارجي بأَنْ يكون العارض على الوجود الخارجي هو الأمر الواقعي وما يكون علّة للوجود الخارجي هو الأمر بوجوده العلمي أي علم المكلّف بالأمر فاختلف ما هو العلّة والمتقدّم عمّا هو العارض والمتأخر.
لأنَّه إِذا كان الأمر بوجوده الواقعي عارضاً على الوجود الخارجي ومتأخراً عنه فيستحيل أَنْ يكون العلم بمثل هذا الأمر محركاً نحو ذلك الوجود الخارجي لأنَّ العلم به سوف يكون كاشفاً عن وجود معروضه في الخارج ، لأنَّ ما يكون محركاً انَّما هو العلم بالأمر الفعلي لا الشأني التقديري ، والأمر لا يكون فعليّاً إِلاّ بعد أَنْ يتحقق الموجود خارجاً أو على الأقل بعد أَنْ يرى العالم معروضه موجوداً في الخارج ، فإذا لم يَر العالم المعروض فعليّاً في الخارج فلا يكون الأمر فعلياً بحسب نظره فلا يكون محركاً.
وبعبارة أخرى : إذا فرض انَّ العلم بالأمر المحرك للمكلف متعلق بالأمر الفعلي المتحقق في الخارج بتحقق موضوعه لزم التهافت في نظر العالم لأنه يرى الفعل معلولاً له ولعلمه فكيف يكون موجوداً بقطع النّظر عنه فهذا تحصيل الحاصل ، وإِنْ كان المحرك له العلم بأنَّه سوف يتحقق الموضوع ويتحقّق حكمه في الخارج أي الحكم التقديري فهذا لا يمكن أَنْ يكون محركاً.
التقريب الثالث : ما أشرنا إِليه مراراً من أنَّ الأحكام الشرعية من الصفات ذات الإضافة والتي تكون الإضافة مقومة لها بحيث لا يعقل افتراضها في أي مرتبة إِلاّ ولها تلك الإضافة حتى مرتبة ذاتها إِذ يلزم من الانفكاك في مرتبة من المراتب تعقل حبّ أو علم مثلاً بلا محبوب أو معلوم وهو غير معقول ، ولازم هذا أَنْ يكون المضاف إِليه في هذه الصفات ثابتاً في مرتبة ذاتها ، وبهذا البرهان يثبت انَّ المحبوب بالذات والمبغوض بالذات انَّما هو نفس الحبّ والبغض.