امراً تشريعياً راجعاً إلى الشارع نفسه ، كما إذا ورد دليل على انَّ كل ماء مطهر ثم بمخصص منفصل علمنا بأنَّ الماء النجس لا يطهر ثم شك في وجود ماء نجس وعدمه (١)، فهنا لو أمكن التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية أمكن إثبات انَّ كل ماء طاهر لا محالة.
والصحيح جواز التمسك بالعامّ في مثل ذلك حتى إذا كانت القضية حقيقية لا خارجية وهذه هي الحالة التي أشرنا إليها فيما سبق. والوجه في ذلك انَّ القيد حيث انَّه سنخ قيد يرجع إلى الشارع لكونه امراً تشريعياً أمكن للمولى أَنْ يتعهد بإحرازه حتى في القضية الحقيقية وذلك بجعله كذلك على تمام الافراد ومعه لا موجب لرفع اليد عن ظاهر العام في ثبوت حكمه على تمام الافراد من دون قيد في مقام الجعل. إِلاَّ انَّ التمسك بالعامّ في هذه الحالة أيضاً مشروط بالشرطين الأخيرين في الحالة السابقة أي أَنْ لا يعرف من دليل التخصيص تقييد الجعل وعدم تعهد المولى بإحراز القيد ، وانْ لا نعلم بفقدان القيد في بعض افراد العام (٢).
ثم انه نسب إلى الشيخ الأعظم ( قده ) التفصيل بين ما إذا كان المخصص المنفصل لبياً فيجوز التمسك بالعامّ في شبهته المصداقية وبين ما إذا كان لفظياً فلا يجوز.
__________________
(١) يلاحظ هنا : أولاً ـ عدم اختصاصه بالعامّ بل حتى إذا كان الدليل مطلقاً كما إذا قال « الماء مطهر » وشك في نجاسة ماء البحر مثلاً أمكن التمسّك به لإثبات مطهريته وطهارته لأنَّ النكتة المذكورة تقتضي جعل الحكم على تمام الأفراد سواءً كان ذلك بالعموم أو بالإطلاق.
وثانياً ـ إذا فرض العلم بالتخصيص بمعنى أخذ طهارة الماء قيداً في موضوع جعل المطهرية للماء بنحو القضية الحقيقية كما إذا علم بوجود الماء النجس خارجاً فلا يمكن التمسك. لا بالعامّ ولا المطلق في الشبهة المصداقية لما تقدم من ان تطبيق الجعل على مصاديقه خارج عن مرحلة المدلول ، وان لم يؤخذ ذلك قيداً بأن جعل المطهرية للماء واحتملنا ان الجعل عام أو مطلق وان كنّا نعلم بأنه لو كان هناك ماء نجس فلا محالة يكون الجعل مقيداً بعدمه ، فهذا معناه بالدقة الشك في أصل تخصيص الجعل خطاباً وان كان يعلم بتقييد الحكم ملاكاً فيكون خارجاً عن محل الكلام على أنَّه خلاف جديّة الخطاب بلحاظ روح الحكم إذا كانت القضية حقيقية وان لم يلزم منه نقض الغرض.
(٢) بالنسبة للشرط الثاني في الحالتين ربما يناقش : بأنه غير لازم ، وذلك لأنه إذا ثبت مثلاً انَّ ماء البحر نجس فلا دليل على انَّ جعل المطهرية لكل ماء ـ أو طبيعته كما في المطلق ـ مقيد بغير النجس بل لعله مقيد بغير ماء البحر الّذي هو أضيق تقييداً من الأول فيبقى العام أو المطلق شاملين للفرد المشكوك نجاسته من الماء من غير ماء البحر ما دام يحتمل تكفل المولى بإحراز تحقق قيد عدم النجاسة في سائر الافراد ، فتحفظا على عموم كلام المولى أو إطلاقه حيث لا يعلم تقيد الجعل بأكثر من ذلك نثبت إحراز المولى للقيد بنفسه في الموارد الأخرى.
والجواب : إنَّ التبعيض في القضية الواحدة بلحاظ الافراد بحيث تكون حقيقية بلحاظ بعض الافراد وخارجية بلحاظ البعض الاخر أي يكون المولى محرزاً للقيد بلحاظ بعض وغير محرز بلحاظ البعض الاخر بل مخرجاً له بنحو التقييد خلاف الظاهر.