مدخوله ، فلا محالة يحصل الإجمال في الظهورين ذاتا لكون المخصص المتصل رافعا لأصل الظهور ، فيقع التعارض بين ذاتي الظهورين الحاليين الكاشفين عن المرادين الاستعمالي والجدي ، لأنَّ لازم أصالة الجد الراجعة إلى قضية شرطية مفادها ان كلما ليس بمراد جدا لا يكون مرادا استعمالا ينافي أصالة الحقيقة والعموم ما لم يدع أقوائية الظهور الاستعمالي (١).
وثانياً ـ ان التمسك بأصالة الحقيقة في المقام فرع مراجعة السيرة العقلائية ليرى هل تقتضي حجية الظهور وإرادة المعنى الحقيقي في مورد لا يترتب عليها كون المعنى الحقيقي مرادا جدا وانما يترتب عليها إرادة جزء من مدلوله أم لا؟ فان هذه خصوصية في المقام تجعل هذا الظهور مشابها إلى حد كبير بموارد الدوران بين التخصيص والتخصص ون اختلف عنها في ترتب المراد الجدي بلحاظ جزء من مدلول منطوق الخطاب نفسه ، وهي خصوصية لا نواجهها الا في مسألة حجية العام في تمام الباقي بعد
__________________
(١) هذا الاعتراض بتفاصيله إلى هنا كما أشير إليه مبني على ان يكون مفاد أصالة الجد التي هي من الظهورات السياقية التصديقية قضية شرطية ، واما إذا كان مفادها قضية تنجيزية راجعة إلى دلالة نفس قصد المتكلم لشيء استعمالا على تعلق إرادته الجدية به بحيث يكون الدال والكاشف نفس تعلق القصد الاستعمالي الّذي هو من دلالة الفعل نظير دلالة الأفعال الصادرة من الإنسان بل الحيوان أيضا على قصده امرا معينا وتكون الدلالة فيها طبعية أو عقلية ، فحينئذ لا يتم هذا الاعتراض من الأساس ، لأن التعارض بين أصالة الحقيقة وأصالة الجد انما يعقل حينئذ لو فرض ان موضوع كل منهما كان محرزا حقيقة ، كما إذا كانا في كلامين ، وليس الأمر كذلك في المقام بل أصالة الحقيقة هي التي تحرز لنا موضوع أصالة الجد أي هي التي تثبت الكاشف عن الجدية فيستحيل ان تكون الأخيرة معارضة معها إذ يلزم من وجودها عدمها ، وان شئت قلت : ان أصالة الحقيقة في المقام بمثابة الأصل الموضوعي المرتب لآثار أصالة الجد فيترتب منها المقدار الّذي لا جزم بعدم ترتبه وهو جدية الباقي ، وليس في المقام أصلان لكي يقع تناف بينهما ذاتا فيما إذا كان المخصص متصلا وحجيةً فيما إذا كان منفصلا.
ونحن إذا خرجنا الظهورات التصديقية على أساس تعهدات عقلائية عامة أو غلبة نوعية أمكن ان تكون القضية المستحصلة منهما قضية شرطية تكون هي الحجة ، باعتبار تعلق التعهد بها وأصالة وفاء العقلاء بتعهداتهم ، أو باعتبار الغلبة والظن الحاصل منهما. وانْ فسرناها على أساس ظهور الفعل ودلالته الطبيعة أو العقلية على القصد والإرادة كان مفادها قضية تنجيزية لا محالة ويكون وجود الفعل الكاشف شرطا في تحقق الدلالة وتكونها. وما يمكن ان يذكر في تقريب هذا التفسير إلى الذهن ان فرضية التعهد يبعدها عدم انعكاس أي أثر أو نقل أو اختلاف في حدود هذا التعهد أو صياغته العقلائية مع انه يقع مثل ذلك كثيرا في التعهدات والالتزامات العقلائية ، كما هو كذلك في باب المعاملات ونكاتها المختلف بشأنها ، والغلبة النوعية وان كانت ثابتة الا انها في طول وجود نكتة أسبق للحجية إذ لا يعقل ان تكون هذه الغلبة ناشئة جزافا وصدفة عند العقلاء بل هي بملاك الكاشفية التصديقية الطبعية أو العقلية الموجودة للافعال والحركات التي يستكشف من خلالها غايات الفاعل ومقاصده ، وبهذا يمكن ان ينتصر لصاحب هذه المحاولة.