لا بدَّ من افتراض وجود معنى وحداني للأداة توحد فيه الافراد المتكثرة ، وامّا الدلالة على الافراد المتكثرة بما هي متكثرة فهي معانٍ متكثرة لا يمكن أَنْ تكون مدلولاً للأداة الواحدة.
والتحقيق أَنْ يقال : بأنَّ مدلول أداة العموم وإِنْ كان يقتضي توحيد المتكثرات في معنى وحداني يكون هو موضوع النسبة أو الحكم في الكلام ، إلاّ انَّ هذا التّوحد انما هو من شئون الاستعمال وإراءة المعنى وليس حيثية مأخوذة في المراد ولذلك لا يقتضي أصالة الجدّ والتطابق بين الثبوت والإثبات دخلها في موضوع الحكم ، وانما لا بدَّ من ملاحظة ما هو الملحوظ من خلال هذا المعنى الوحدانيّ المتمثل في مدخول ( كلّ ) فان كان امراً واحداً ولو باعتبار ثابت في مرحلة أسبق بقطع النّظر عن طروّ الأداة كان مقتضى الأصل كونه هو موضوع الحكم كما في ( كلّ العسكر وكلّ القوم ) وإِنْ لم يكن كذلك كان مقتضى الأصل أَن يكون كل فرد موضوعاً مستقلاً فيكون العموم استغراقياً كما في ( كلّ عالم ) وامّا ( كلّ العلماء ) فاستفادة الاستغراقية منه مبتنية على النكتة التي سوف نثبت بها دلالة الجمع المحلّى باللام على العموم.
وعلى هذا الأساس يمكن أَنْ نفسر وجه الفرق بين دخول ( كلّ ) على المفرد النكرة من قبيل ( كلّ كتاب ) ودخوله على المفرد المعرف باللام كما في ( كل الكتاب ) حيث انه في الحالة الأولى يكون ظاهراً في الاستغراقية بلحاظ الافراد بحيث يكون كل فرد موضوعا مستقلا للحكم بينما في الحالة الثانية لا يكون كل جزء من الكتاب موضوعا مستقلا للحكم بل المجموع الّذي له وحدة بقطع النّظر عن دخول أداة العموم موضوع واحد للحكم.
ولعله يشهد على هذا التمييز ما ذكره النحاة من انَّ كلمة ( كلّ ) إذا دخلت على النكرة كانت في الافراد والجمع والتأنيث والتذكير تابعة لمدخولها بخلاف ما إذا دخلت على المعرفة فيجوز فيها الوجهان حينئذ ، فانه إذا كانت داخلة على النكرة كانت ظاهرة في الاستغراقية التي لا تلحظ فيها توحد المتكثرات وإِنْ كان هناك وحدة في مرحلة الاستعمال والرؤية ، بخلاف ما إذا كانت داخلة على المعرفة فتكون ظاهرة في كون المجموع ملحوظا كشيء واحد على أساس النكتة المتقدمة.