بالإطلاق الّذي وجهنا عليها اعتراضا فيما سبق ، فنضيف عليه هنا اعتراضا أساسياً حاصله : انَّ تطبيق فكرة التطابق بين مقام الإثبات والثبوت بتلك الصيغة خطأ ، لأنَّ مقام الإثبات والثبوت له معنيان.
الأول : مرحلة المدلول التصوري للكلام ومرحلة المدلول التصديقي فيراد بأصالة التطابق بينهما إِنَّ كل ما ورد على لسان المتكلم في مرحلة المدلول الوضعي التصوري للكلام الأصل أَنْ يكون المتكلم قاصداً له واقعاً ، وهذا المعنى لا يمكن افتراضه هنا لأنه يقتضي أَنْ يكون الترتب أو العلّية مأخوذاً في المدلول التصوري الوضعي بحيث يلزم التجوز إذا استعملت الشرطية من دون علّية مع انه واضح البطلان.
الثاني : أَنْ يراد بمقام الإثبات عالم نفس الألفاظ بما هي دوال لا عالم المدلول ، فيقال انَّ تركيب الكلام وبنائه اللفظي والترتيب المقرر نحوياً ولغوياً بين مفرداته وفقراته الأصل فيه أَنْ يكون مطابقاً مع مقام الثبوت والمراد التصديقي من ورائه ، فالشرط مثلا باعتباره مقدما على الجزاء بحسب الرتبة في عالم اللفظ ينبغي ان يكون كذلك بحسب عالم الثبوت أيضاً بمقتضى أصالة التطابق.
إلاّ انَّ هذا المعنى غير صحيح إذ لا يوجد أي أصل عقلائي يقتضي مثل هذه المطابقة ، وأصالة التطابق المعروفة انما هي ظهور حالي للمتكلم يراد به المعنى الأول وانَّ ما يذكره المتكلم من مداليل تصورية ينبغي أن يكون قاصداً لها وليس هازلاً. ومما يبرهن على عدم صحة هذا المعنى الأخير للمطابقة بين مقام الإثبات والثبوت ما نجده مثلا من انَّ الفعل متقدم على الفاعل بحسب تركيبه اللفظي ورتبته النحوية فهل يمكن أَنْ يُدّعى انَّ مقتضى التطابق بين عالم الإثبات والثبوت أَنْ يكون الفعل متقدما على الفاعل بحسب عالم الثبوت ومرحلة المدلول التصديقي أيضاً؟
وتحقيق الحال في مسألة مفهوم الشرط بعد أَنْ اتضح مما تقدم فشل كل المحاولات التي كانت ترمي إلى الاستدلال على وجود مفهوم للجملة الشرطية أَنْ نقول :
انَّ الاستدلال على وجود ظهور ودلالة في كلام يكون بأحد أنحاء.
١ ـ الاستدلال عليه بتطبيق كبرى من كبريات الدلالة وقرينة عامة مفروغ عنها