فلا بدَّ من حلٍّ آخر لإشكال فعلية الاستفهام على كلا المبنيين ، ويمكن أَنْ نفترض انَّ الحل الاخر عبارة عن انَّ الاستفهام في المدلول التصوري للجملة يكون جزءاً للجزاء ويكون معلَّقاً على الشرط الا انه بقرينة توجيه الخطاب يعرف انَّ مقصود المتكلم هو الاستفهام الفعلي عن التعليق أو المعلَّق ، فالمقصود الجدّي من جملة ( انْ جاء زيد فكيف حالك ) كيف حالك عند مجيء زيد.
وامّا الكلام الثاني ـ فيمكن أَن نبين برهاناً على صحة دعوى المشهور وبطلان دعوى المحقق الأصفهاني ( قده ) وإِنْ لم يتعهد المشهور ببيان ذلك وحاصل البرهان : انه لا إشكال في انَّ جملة الشرط وحدها قبل دخول أداة الشرط عليها تكون مما يصح السكوت عليها لكن بمجرد أَنْ تدخل عليها أداة الشرط لا يصح السكوت عليها ، فيمكن أَنْ يكتفي بجملة ( جاء زيد ) ولكن لا يمكن أَنْ يكتفي بجملة ( إِنْ جاء زيد ) وهذا الخروج من صحة السكوت إلى عدم صحة السكوت بمجرد ورود أداة الشرط على
__________________
كان تقيداً لطرف النسبة في الجزاء أي الموضوع أو المحمول فيه كان معناه انَّ الاستفهام عن إكرام زيد المقيَّد بأنه قد جاء أي إكرام زيد الجائي أو الاستفهام عن ثبوت الإكرام المقيَّد بالمجيء لزيد ، وكلاهما خلاف ظاهر جملة الشرط من انها نسبة تامة لا ناقصة وخلاف المقصود أيضا إذ ليس السؤال عن الإكرام المقيَّد ولا عن زيد الجائي.
وهناك شاهد آخر يمكن أَنْ يبَيَّن لنصرة ما ذهب إليه المحقق الأصفهاني ( قده ) حاصله :
انه لا إشكال في انَّ جملة ( إِنْ جاءك زيد فأكرمه ) جملة إنشائية وليست من قبيل جملة ( إِنْ جاء زيد أكرمته ) الاخبارية ، وهذا الفرق على ضوء مبنى المحقق الأصفهاني قابل للتفسير إذ المدلول الأساسي للجملة والّذي بإزائه مدلول تصديقي انما هو الجزاء لا الشرط ولا الشرطية فانهما لمجرد تحديد الفرض والتقدير فإذا كان الجزاء جملة إنشائية كانت الشرطية إنشاءً لا محالة وإذا كان الجزاء جملة خبرية كانت الشرطية اخباراً لا محالة.
وامّا على مبنى المشهور الذين يجعلون المدلول الأساسي للشرطية والّذي بإزائه مدلول تصديقي نفس التعليق والربط والملازمة بين جملتي الجزاء والشرط فلا يبقى فرق بين الجملتين ، إذ تكونان معاً اخباراً عن الملازمة بين جملتي الشرط والجزاء سواءً كان الجزاء جملة خبرية أو إنشائية ولا يمكن أَنْ يكون الجزاء إلاّ مدلولاً تصورياً لا تصديقياً لأنَّ الجملة الواحدة لا تتحمل إلاّ مدلولاً تصديقيا واحداً والمفروض انه بإزاء الربط والتعليق لا الجزاء ودعوى : استفادة الاخبار أو الإنشاء عن الجزاء حينئذ بدلالة التزامية ، خلاف الوجدان جداً.
وشاهد ثالث على صحة ما ذهب إليه المحقق الأصفهاني : اننا لا نستفيد الملازمة بين الشرط والجزاء إلاّ إذا دخل عليهما أدوات العموم فقيل ( كلّما جئتني أكرمتك ) وامّا قولك ( إذا جئتني أكرمتك ) فلا يدل على الإكرام لو جاءه مرة ثانية ، وهذا الفرق بناء على ما يقوله المشهور من دلالة الشرطية على اللزوم وانه كلّما صدقت جملة الشرط صدقت جملة الجزاء لا يمكن تفسيره ، بخلاف ما إذا حملنا الشرطية على انَّ جملة الشرط بمثابة الفرض والتقدير لمفاد الجزاء فانه حينئذ من دون دخول أداة العموم التي تدل على انَّ الفرض كل فرد من افراد المجيء لا تدل جملة الشرط إلاّ على انَّ الفرض أصل المجيء أي صرف وجوده والّذي يتحقق بالمجيء مرة واحدة فلا يمكن أَنْ تستفاد الملازمة في كل مرة.