فأكرمه ـ فالتكليف يصبح فعلياً على المكلف الآن ويجب عليه امتثاله حتى لو لم يتحقق واقع الشرط في الخارج لأنَّ شرط الحكم لا يكون إلاّ الفرض والتقدير والفرض فعلي على كل حال فلا بدَّ وأَنْ يكون الحكم فعلياً مع انَّ هذا شيء لا يلتزم به أحد ، فلو اعترف بأنَّ الشرط فرض المجيء بما هو مرآة وفانٍ في المجيء عاد الإشكال عليه ، إذ يقال كيف أصبح الاستفهام فعلياً مع عدم فعلية المجيء في الخارج (١).

__________________

(١) هذا الاعتراض غير وارد إذ على مبنى المحقق الأصفهاني يكون المدلول الرئيسي الّذي بإزائه مدلول تصديقي في الجملة الشرطية هو الجزاء لا الشرطية ولا الشرط ، وعليه فيكون كل من إنشاء الاستفهام أو الإيجاب فعلياً ولكن المنشأ قد حُدّ وحُصّص في جملة الجزاء أي حصِّص وعائه بفرض وتقدير تحقق الشرط الّذي هو مفاد جملة الشرط ، وحيث انَّ الّذي يدخل في العهدة في باب التكاليف انما هو الحكم الفعلي لا الإنشائي أي المنشأ لا الإنشاء ، فلا يجب الامتثال إلاّ حين تحقق الشرط ، وحيث انَّ الّذي يحتاج إلى جواب في الاستفهام نفس إنشاء الاستفهام الفعلي كان لا بدَّ من الإجابة.

وقد يبرهن على بطلان مبنى المحقق الأصفهاني في المقام : بأنَّ الجملة الشرطية لو لم تكن بإزاء الربط بين الشرط والجزاء فكيف يسأل عنه في مثل قولنا ( هل إِنْ جاء زيد فتكرمه أو ليس إذا جاء زيد فتكرمه ) مع وضوح انَّ السؤال وكذا النفي هنا عن أصل الملازمة والربط بين الجزاء والشرط ولهذا يكفي في مقام صدقها أَنْ لا تكون ملازمة بأنْ لا يكرم زيداً ولو في بعض حالات مجيئه ، بينما إذا كانت جملة الشرط لمجرد الفرض والمدلول التصديقي بإزاء الجزاء دائماً فينبغي أَنْ يكون ذلك في قوة قولنا ( إذا جاء زيد فلا تكرمه أو هل تكرمه ) مع وضوح الفرق بينهما فانَّ الثاني لا يصدق إلاّ إذا كان لا يكرمه في تمام حالات مجيئه.

والجواب : انَّ الفرق بين الجملتين على مبنى المحقق الأصفهاني ( قده ) من ناحية انَّ تحصيص وعاء النسبة في جملة الجزاء ـ التي هي الأصل دائما ـ بالشرط تارة يكون قبل عروض النفي أو الاستفهام وأخرى يكون بعدهما ، وفي كلا التقديرين يكون الشرط من أجل التقدير وتحديد وعاء صدق النسبة التامة في جملة الجزاء ، فإذا كان تحديد الوعاء وتقديره بالشرط بعد طرو الاستفهام أو النفي كان النفي لا محالة ثابتاً في تمام حالات ذلك الفرض والتقدير ، وإِنْ كان تحديد الوعاء وتقديره بالشرط قبل طرو الاستفهام أو النفي فالنفي أو الاستفهام بحسب الحقيقة عن الجزاء المحصَّص بالشرط ، ونفي الجزاء الثابت في تقدير خاص لا يعني ثبوت النفي في ذلك التقدير فانه نفي للمقيَّد ، وكذلك الاستفهام يكون حينئذ استفهاماً عن المقيَّد لا الاستفهام المقيَّد بذلك التقدير ، فيستفاد تبعاً لذلك نفي الملازمة والتقييد أو الاستفهام عنه.

بل نستطيع أَنْ نصوغ من هذا المثال دليلاً على عدم صحة مبنى المشهور ، فانه لا إشكال كما قلنا في انَّ المستفاد من قولنا ( هل إذا جاء زيد فتكرمه ) السؤال عن الملازمة والارتباط بخلاف ( إذا جاء زيد فهل تكرمه ) فانه سؤال عن إكرامه على تقدير وفرض مجيئه لأنَّ الاستفهام دخل على الجزاء المعلَّق لا على التعليق ، كما انه لا إشكال في فعلية الاستفهام في الجملتين لا انَّ الاستفهام سوف يتحقق بعد مجيء زيد ، فلا بدَّ وأَنْ يكون المعلَّق والمرتبط بالشرط المستفهم عنه لا نفس الاستفهام ، وحينئذ بناء على مبنى المشهور نسأل انَّ الاستفهام في الجملة الثانية أعني جملة ( إذا جاء زيد فهل تكرمه ) هل هو استفهام عن التعليق والربط بين الجزاء والشرط أو الاستفهام عن الجزاء المقيَّد بالشرط؟ فانْ اختير الأول لزم عدم الفرق بين الجملتين أي عدم الفرق بين دخول أداة الاستفهام على الشرطية ودخولها على الجزاء مع وضوح الفرق بينهما ، وانْ اختير الثاني كان معناه أخذ الربط والتقييد بالشرط بنحو النسبة الناقصة طرفاً للجزاء فكأنه استفهام عن إكرامه المقيَّد بمجيئه ، وهذا أولاً ـ خلاف فرضية المشهور من انَّ النسبة التعليقية نسبة تامة في الجملة الشرطية لا ناقصة ، وثانياً ـ لو كان هذا التقييد تقييداً للنسبة في جملة الجزاء أي تحديداً وتحصصاً لظرف تحققها فهذا رجوع إلى كلام المحقق الأصفهاني ( قده ) ، وان

۴۵۵۱