انَّ المفهوم عبارة عن المدلول الالتزامي فيما إذا كان اللازم بيّناً بالمعنى الأخص ، أي يكون مجرد تصور المدلول المطابقي كافياً لتصوره ، ومن هنا لا يكون وجوب المقدمة المستفاد من دليل وجوب ذي المقدمة من المفاهيم إذ مجرد تصور وجوب ذي المقدمة لا يستدعي تصور وجوب المقدمة (١).
وهذا الوجه لا ينطبق على واقع البحث الّذي يبحثه الأصوليون في باب المفاهيم بما فيهم هذا المحقق نفسه ، فانهم طرحوا وجوهاً لإثبات المفهوم على تقدير تماميتها يثبت اللازم ولكن لا يكون بيّناً بالمعنى الأخص بل قد يكون لازماً غير بين ، فمثلاً تمسكوا لإثبات المفهوم بقاعدة فلسفية هي انَّ الواحد لا يصدر إلاّ من واحد ، امّا ببيان انَّ مقتضى إطلاق الشرط انه مؤثر في الجزاء على كل حال سواءً قارنه أو سبقه شيء آخر أم لا ، وحينئذٍ لو كان هناك شيء آخر علّة لنفس الحكم في الجزاء أيضاً فلو تحقق ذاك الشيء الاخر قبل تحقق الشرط في الخارج لكان ذاك الشيء الاخر هو الموجد للجزاء دون الشرط ، ولو تحقق ذاك الشيء مع الشرط معاً ومتقارنين كان المجموع علّة لا الشرط بخصوصه ، فبالنتيجة لا يكون الشرط بما هو هو علّة للجزاء عند سبق ذلك الشيء الاخر أو عند تقارنه معه والا لزم صدور الواحد بالشخص ـ الّذي هو الحكم بالجزاء ـ من الاثنين وهو مستحيل ، وامّا ببيان انه لو كان هناك علّة أخرى في جانب الشرط فلو كان المؤثر الشرط بعنوانه وذاك البديل بعنوانه لزم صدور الواحد بالنوع ـ وهو طبيعيّ الحكم في الجزاء ـ من الاثنين وهو مستحيل ولو كان المؤثر هو الجامع بين الشرط وذاك البديل فهذا خلاف ظهور الشرط في كونه مؤثراً بعنوانه.
فأثبتوا المفهوم في الجملة الشرطية بقانون فلسفي لا يدركه إلاّ الفلاسفة ، فكيف يكون المفهوم الثابت بمثل هذا القانون الفلسفي لازماً بيناً بالمعنى الأخص (٢).
__________________
(١) فوائد الأصول ، ج ١ ، ص ٤٧٧
(٢) لعلّ المقصود من كونه لازماً بيناً أَنْ يكون مستفاداً من داخل الجملة بلا حاجة إلى ضمّ مقدمة خارجية ، وما ذكر في تقريب دلالة الشرطية على المفهوم من التمسك بقواعد فلسفية امّا أَنْ تُحمل على تخريج ما هو مفهوم عرفاً من الشرطية بعد الفراغ عن أصل الظهور ، أو يكون خطأً في البرهنة والاستدلال على المدّعى الّذي ينبغي أَنْ يكون امراً عرفياً.
وعلى كل حال فالإشكال على هذا الوجه انه ليست كل دلالة التزامية بيّنة مستفادة من داخل الجملة مفهوماً فمثلاً استفادة ـ