ولو كان المقصود انه يستحيل أَنْ يكون شيء واحد سبباً للاقتراب والابتعاد فهذا صحيح إلاّ انه في المقام لا يلزم من إمكان التقرب أَنْ يكون السبب واحداً ، فانه اتضح في الجواب على البرهان الخامس أَنْ المقرّب والمبعّد ليس هو الفعل الخارجي حتى يقال : لا يوجد إلاّ فعل واحد ، وانما السبب للتقرب والابتعاد هو الداعي والداعي في المقام متعدد ، إذ يوجد داعي امتثال الأمر ويوجد داعي عصيان النهي فليكن أحدهما مقرّباً والاخر مبعّداً.
البرهان السابع ـ لا إشكال في انه بعد تعلق النهي بالعبادة لا يمكن إيقاعها بداع إلهي محض بل هناك في جنبه داع عصياني شيطاني سواءً قلنا بإمكان قصد التقرب أو قلنا بعدم إمكان قصد التقرب ، وعندئذ يقال فقهياً : لا يكفي لتصحيح العبادة أَنْ تكون بداع إلهي بل لا بدَّ زائداً على ذلك أَنْ لا يَكون معه داع شيطاني ، وهذا يعني انه مع وصول النهي تقع العبادة باطلة.
هذا البرهان لو تمَّ يثبت البطلان منوطاً بوصول النهي إذ مع عدم وصوله وتنجِّزه لا يوجد داعٍ شيطاني.
كما انَّ البطلان بناء عليه راجع إلى قصور قدرة المكلف من قصد القربة محضاً من دون قصد العصيان ولا يرجع إلى قصور ذاتي في نفس العبادة ، وبهذا يختص بباب العبادات ولا يشمل الواجبات التوصلية.
وهذا البرهان لو تم فيتم حتى بناء على جواز اجتماع الأمر والنهي على أساس الملاك الأول أو الثاني دون الثالث ، فانه بناء على الملاك الثالث للجواز يوجد وجودان في الخارج أحدهما مستندٌ إلى داعٍ شيطاني محض والاخر مستندٌ إلى داعٍ رحماني محض فلا بأس بالقول بصحة العبادة حينئذ.
ومدى صحة هذا البرهان يكون منوطاً بالفقه فعلى ذمة الفقه إثباته ، ولا يبعد دعوى الجزم بأنَّ عبادية العبادة متقومة بركنين : الأول ثبوت الداعي الرحماني ، والثاني عدم ثبوت الداعي الشيطاني ، فانَّ عبادية العبادة ليست ثابتة بدليل لفظي حتى يبحث بحثاً استظهارياً وانما مهم الدليل عليه هو الارتكاز والإجماع ، ولا يبعد دعوى الجزم بأنَّ الارتكاز قائم على انَّ الله سبحانه وتعالى لا يُطاع من حيث يُعصى ، فالعبادة لا بدَّ وأَنْ