مغلوبة أو لا توجد مصلحة أصلاً ومع ذلك يتحقق التقرب بالمعنى المطلوب ، كما إذا تخيل عدم النهي وتوهم انَّ هناك مصلحة غالبة.
البرهان الثالث ـ أَن يسلّم بأنَّ النهي لا يكشف عن عدم ثبوت المصلحة رأساً ويسلّم أيضاً بأنَّ الشرط في العبادات التقرب بالمعنى الثاني لا الأول ولكن يُقال : انَّ قصد القربة المعتبر في العبادات انما يتحقق بلحاظ الأمر أو الحب ولا يكاد يتحقق بلحاظ الملاك فإذا وصل النهي إلى المكلف فلا محالة يقطع بعدم الأمر لعدم إمكان اجتماع الأمر والنهي ، ويقطع بعدم الحب أيضا لأنَّ المفروض ثبوت النهي وغلبة المفسدة على المصلحة ، فلا يمكنه أَنْ يقصد القربة لا بلحاظ الأمر ولا بلحاظ الحب للعلم بانتفائهما ، ولا يمكنه أَنْ يقصد القربة بلحاظ المصلحة المغلوبة لأنه غير معقول لا باعتبارها مغلوبة بل باعتبار أنَّ قصد التقرب بالملاك غير معقول ، فمع ثبوت النهي لا يمكن قصد القربة فتقع العبادة باطلة ، امّا انه لما ذا لا يمكن التقرب بالملاك؟ فهذا يمكن أَنْ يُبين بأحد وجهين أحدهما ثبوتي والاخر إثباتي.
الوجه الأول ـ انَّ التقرب بالملاك بما هو هو ـ من دون لحاظ كون الفعل محبوباً للمولى أو مأموراً به من قبله ـ غير معقول ثبوتا ما لم يرجع الملاك إلى المولى ، فلو كان الملاك مصلحة للعبد كما هو كذلك في أحكام المولى الحقيقي الغني عن كل شيء فإذا فرض سقوط وجوبه لتعلق النهي به وعدم محبوبيته لغلبة مفسدته على مصلحته فكيف يعقل للعبد أَنْ يتقرب به إلي المولى بمجرد كونه ذا مصلحة راجعة إلى العبد نفسه؟ فانَّ هذا امر غير معقول نعم لو فرض المولى من الموالي العقلائية وكانت المصلحة راجعة إليه لا إلي المكلفين أمكن التقرب إليه بلحاظ نفس الملاك.
الوجه الثاني ـ انَّ التقرب بالملاك حتى لو أمكن ثبوتاً فهو غير مجزٍ إثباتا ، وذلك بدعوى : انه في باب العبادات ثبت فقهياً وجوب قصد الأمر لا قصد الملاك.
هذا البرهان لو تم فيثبت في تمام الأقسام الخمسة للنهي خلافاً للبرهانين السابقين.
نعم لو بنينا على انَّ النهي من القسم الرابع يجتمع مع مبدأ الأمر الّذي هو الحب بأَنْ يكون المنهي عنه محبوباً مع انَّ جعل النهي أيضاً محبوب فعندئذ يمكن التقرب بمثل