الخامس ، وهذا هو المعنى المعقول لنشوء النهي من ملاك في نفس الجعل.
ثم انَّ النهي الّذي يُقال انه يقتضي فساد العبادة أو لا يقتضيه هل يعم تمام هذه الأقسام الخمسة أو يختص بخصوص بعضها؟.
الصحيح : انَّ هذا مربوط بتحقيق حال كل برهان من البراهين المتعددة التي سوف تذكر لإثبات انَّ النهي يقتضي الفساد ، فلا بدَّ من التكلم بلحاظ كل واحد منها ليُرى انه هل يختص بخصوص بعض هذه الأقسام أو يعمها جميعاً؟.
ثم انَّ هذه البراهين يرجع بعضها إلى إثبات بطلان العبادة وعدم صحتها من ناحية قصورها الذاتي وعدم وجدانها للملاك.
ويرجع بعضها الآخر إلى إثبات بطلان العبادة من ناحية قصور قدرة المكلف على الإتيان بالعبادة الصحيحة الجامعة للشرائط ما دام انها منهي عنها. وفيما يلي نستعرض البراهين :
البرهان الأول ـ أَنْ يُقال بأنَّ النهي إذا تعلق بالعبادة فيكشف إنا عن ثبوت المفسدة فيها وحيث انَّ المفسدة مضادة ومنافية مع المصلحة فيكون النهي الكاشف عن المفسدة كاشفاً أيضاً عن عدم المصلحة ، فإذا ثبت انَّ هذا الفرد من العبادة ليس واجداً للملاك والمصلحة فلا يكون مجزياً لا محالة بل لا بدَّ من الإعادة أو القضاء كي يستوفى ملاك الواجب.
هذا البرهان لو تم فيثبت البطلان من ناحية القصور الذاتي في العبادة وعدم وجدانها للملاك ولو فرض قدرة المكلف على الإتيان بالعبادة على وجه قربي ، ومن هنا لا يختص هذا البرهان بخصوص باب العبادات بل يثبت البطلان حتى في الواجبات غير المشروطة بقصد القربة ، حيث يقال هناك أيضاً : إذا ثبت النهي تثبت المفسدة ومع ثبوت المفسدة لا توجد المصلحة للتضاد بينهما فلا يمكن أَنْ يكون ذلك الفرد مجزياً ومسقطاً للأمر.
وأيضاً بناء على تمامية هذا البرهان ينبغي أَنْ نقول انَّ الموجب للبطلان هو النهي بوجوده الواقعي وإِنْ لم يصل إلى المكلف ، إذ النهي الواقعي انما يكون ناشئاً من المفسدة سواءً وصل إلى المكلف أو لم يصل إليه ، والمفسدة لا تجتمع مع المصلحة سواءً