حجية كل منهما مقيدة بالبناء على الالتزام بمؤداه ، فمع عدم البناء على الالتزام بمقتضاه لا يكون مشمولا للحجية.
وهذا معنى معقول ثبوتا فيمكن ان يحمل عليه ما ورد من أدلة التخيير بين الدليلين في بعض الموارد ، بلا حاجة إلى تكلف تأويل له بالحمل على التخيير في المسألة الفرعية ، كما هو الحال لو لم يثبت تعقل التخيير في المسألة الأصولية.
إلاّ ان هذا النحو لا يجدي فيما نحن فيه ، إذ لا يرفع التنافي بين الدليلين عرفا ـ كما في التخيير في المسألة الفرعية ـ ، إذ لا يستلزم التصرف بمؤدى كل منهما بنحو يرتفع التنافي ، بل كل باق على مؤداه ، فلا وجه للالتزام به في المورد الّذي نحن فيه.
ومع عدم تعقل تلك الأنحاء ثبوتا ، وعدم إمكان الالتزام بهذا النحو إثباتا ، فلا محيص عن الالتزام بأحد الاحتمالات الأخرى ، من التساقط أو التوقف أو غيرهما.
وقد عرفت ان الشيخ التزم بالتوقف وتساقط الدليلين في الدلالة المطابقية لهما وبقائهما على الحجية في نفي الثالث ـ وهو معنى التوقف ـ وبنتيجة ذلك التزم صاحب الكفاية قدسسره إلاّ انه بغير الطريق الّذي سلكه الشيخ ، بل ذهب إلى ان الدليلين لا يتساقطان ، بل يسقط أحدهما عن الحجية ويبقى الآخر تحت دليل الحجية ، غاية الأمر انه لا تترتب آثار العلم الإجمالي على ذلك ـ كما في مسألة اشتباه الحجة باللاحجة ـ بل هما بالنسبة إلى الدلالة المطابقية كالمتساقطين ، نعم ، يظهر الأثر في شيء آخر أجنبي عن محل الكلام وهو نفي الثالث.
وبيان ذلك (١) : ان دليل الحجية لا يشمل ما يعلم كذبه من الأدلة كما لا يخفى.
__________________
(١) قد يبدو الالتزام بسقوط أحدهما وبقاء أحدهما ـ بهذا المقدار من العنوان ـ مشكلا ، لكن القوم يلتزمون بنظيره في بعض الموارد :
فمن ذلك : مورد تعلق الأمر بفردين من طبيعة واحدة بلا ان يكون لأحدهما خصوصية يمتاز بها على الآخر ، كموارد قضاء الصوم إذا كان الفائت يومين ـ مثلا ـ وموارد الدين الثابت في الذّمّة كدينارين. فانه يلتزم فيما إذا أتى المكلّف بأحد الفردين بلا تعيين سقوط أحد الأمرين