__________________

قرينة بعد عدم دلالة اللفظ عليه ، إذ كيف يقصد الحكاية عن معنى بما لا يدل عليه؟

وثانيا : بأنه لا يتم حتى في مثل المطلق والمقيد ، لأن الجميع يلتزمون بأن إحراز كونه في مقام الجد في الجملة لا يجدي في إثبات ان مراده المطلق إذا احتمل انه ليس في مقام الجد من بعض الجهات ، بل لا بد من إحراز كونه في مقام الجد في تمام المدلول ومن جميع الجهات ، وإذا أحرز ذلك لم يحتج في إثبات مراده إلى الكشف عنه من طريق الظهور ، للعلم بأن مراده تمام المدلول ، وإذا لم يحرز ذلك لم يمكن تشخيص ان مراده المطلق من طريق اللفظ.

وعمدة التحقيق : ان المراد بقصد الجد والحكاية ليس ما يساوق معنى الإرادة والنية ، بل ما يساوق معنى الداعي المترتب على الشيء.

ومن الواضح انه لا يمكن ان يكون الداعي إلى الشيء ما لا يترتب عليه ، فلا يمكن ان يقصد الحكاية عن معنى بما لا يدل عليه لعدم ترتبها عليه ، ومعنى إحراز الداعي إلى الحكاية يحرز ان مراده لا يتعدى مدلول اللفظ ، لأن الفرض انه قصد الحكاية عن امر بما قصد تفهيمه ، فتدبر.

ومن هنا يظهر ان مجرى مقدمات الحكمة في باب المطلق والمقيد انما هو المراد الاستعمالي لا المراد الجدي ، لوضوح تبعية المراد الجدي للمراد الاستعمالي ، وما قصد تفهيمه والانتقال منه إليه ، فلا بد في تشخيص المراد الجدي من معرفة المراد الاستعمالي سعة وضيقا ، وهو يحصل بالقرينة ، والقرينة على إرادة الإطلاق هي مقدمات الحكمة ـ كما يبين في محله ـ وبدونها لا يمكن إحراز المراد الاستعمالي ، ومعه لا يمكن تشخيص المراد الجدي ، وإذا توفرت المقدمات في المراد الاستعمالي فلا حاجة حينئذ لجريانها في المراد الجدي كما هو واضح.

ثم انه مما ذكرناه يظهر ان دلالة الكلام على المراد الجدي مع إحراز انه في مقام الجد تكون دلالة قطعية لا تحتمل الخلاف ، لأنها تنشأ من ضم جهة وجدانية ـ وهي كونه في مقام الحكاية ـ إلى جهة عقلية ، وهي استحالة ان يكون الداعي إلى الشيء ما لا يترتب عليه.

وعلى هذا الأساس يشكل الأمر في موارد تقديم النص أو الأظهر على الظاهر ، فان المعروف بين الأصحاب تقديم النص ـ وهو ما لا يمكن إرادة غير معناه المفهوم منه ـ على الظاهر ، وهو ما يمكن أن يراد به غير معناه المفهوم منه ، لكنه كان ظاهرا في المعنى المعروف.

وذلك فانه ـ على ما ذكرناه ـ لا فرق بين النص والظاهر في عدم احتمال إرادة غير معناه المفهوم منه.

فان الظاهر وان أمكن ان يستعمل ويراد به معنى آخر ، لكنه لا يصح بلا نصب قرينة ، إذ إرادة غير الظاهر من دون قرينة غير صحيحة ، فمع عدم القرينة لا يكون المفهوم من اللفظ سوى المعنى الظاهر فيه ، والمفروض ان المدلول الاستعمالي هو ما قصد تفهيمه للمخاطب ، فينحصر ان

۴۵۶۱