وفي تحقيق الحال في ذلك لا بد من تحقيق امر له كل المساس فيما نحن فيه ، كما له المساس المهم فيما يأتي من البحث عن انقلاب النسبة (١).

__________________

(١) تحقيق الكلام في هذا المقام ان يقال : ان تعدد الإرادة في الكلام ووجود الإرادة الاستعمالية والإرادة الجدية بالمعنى المذكور في المتن مما لا إشكال فيه ولا يقبل الإنكار ، كما انهما قد يختلفان ـ كما في موارد الاستعمالات الكنائية ـ وقد يتفقان.

وانما الإشكال في طريق تشخيص المراد الجدي للمتكلم وكونه على طبق ظاهر كلامه أو غيره ، وانه هل هو بواسطة ظاهر اللفظ كما هو المعروف ـ حيث ان المعروف تشخيص المراد الجدي من طريق ظاهر اللفظ فيكون الظاهر حجة ، وهو المعبّر عنه بأصالة الظهور ومطابقة مقام الإثبات لمقام الثبوت ـ ، أو انه بطريق آخر؟. الحق هو الثاني ، وذلك لأن المراد الجدي للمتكلم يعرف بأمرين ينضم أحدهما للآخر.

أحدهما : إحراز كون المتكلم في مقام الجد في كلامه وانه يريد بيان امر واقعي به في قبال الهزل أو غيره.

والآخر : إحراز مدلول الكلام وما قصد به تفهيمه.

فإذا حصل هذان الأمران يحصل العلم بالمراد الواقعي وانه مطابق للمراد الاستعمالي وما قصد تفهيمه.

فمثلا : لو قال : « جاء زيد من مكة المكرمة » ، فلدينا أمور ثلاثة : الأمر الخارجي من مجيء زيد وعدمه ، والمراد التفهيمي ، والمراد الجدي وهو ما قصد الحكاية عنه.

ولا يخفى ان الأول لا يعرف بالخبر ، وهو خارج عنه ، ولذا يتحقق الخبر مع العلم بعدم المطابقة والكذب ، فليس الأمر الخارجي وهو ذات ما أخبر عنه بمراد جدي ، وانما المراد الجدي هو ما قصد الحكاية عنه بما هو متعلق القصد ، أو فقل : ان الاخبار عن الشيء هو المراد الجدي.

وهذا هو المطلوب معرفته بالكلام ، وهو يعرف ـ كما تقدم ـ بإحراز مدلول الكلام ، وإحراز قصد الحكاية به ، وان المتكلم في مقام الاخبار لا في مقام آخر.

وهذا ليس من حجية الظهور في شيء ، إذ إحراز مدلول الكلام ينشأ من العلم بالوضع وملاحظة القرائن. وإحراز انه في مقام الجد ينشأ من قرينة حالية أو مقالية.

وقد يقال : ان المراد الجدي قد يتخلف عن المراد الاستعمالي سعة وضيقا ، كما لو كان مراده الجدي المعنى الخاصّ وكان اللفظ المستعمل فيه مطلقا ، فإذا حصل هذا الاحتمال في الكلام فلا دافع له إلا ظهور الكلام وعدم التقييد ، وهذا معنى حجية الظهور.

ويندفع هذا القول :

أولا : بأنه لا يتم فيما كان المعنى الآخر مباينا للموضوع له ، إذ لا يحتمل إرادته من اللفظ بلا

۴۵۶۱