__________________
وأما ما أفاده أخيرا تحت عنوان .. ، ففيه : ان الكلام ليس في ترتيب آثار الأصل السببي بل الكلام في عدم معارضته بالأصل المسببي وليس فيما ذكره إشارة إلى ان ارتكاز العرف عليه ، مع ان المبحث عقلي لا عرفي.
والمتحصل : ان شيئا من هذه الوجوه الأربعة لا يفي بالمطلوب. ولا يخفى عليك ان مقتضى الوجه الثاني هو الورود ، أما الثالث والرابع فمقتضاه من هذه الجهة مجمل ، وانما هما يتكفلان التقديم لا أكثر.
وأما دعوى تقديم الأصل السببي على المسببي بالحكومة ـ كما عليه المحقق النائيني على ما نقل كلامه في المتن ـ فيدفعها ما عرفت في تقديم الاستصحاب على البراءة من ان المفهوم من أدلة الاستصحاب بملاحظة النهي عن النقض بمثل « لا ينبغي » إرادة النقض والإبقاء العملي ، وهذا لا يرجع إلى جعل اليقين واعتباره ، بل إلى الأمر بترتيب آثار بقاء اليقين. هذا مع غض النّظر عما أشرنا إليه في المتن من ان التعبد باليقين بشيء لا يستلزم التعبد باليقين بآثاره. والنافع في دعوى الحكومة إثبات التعبد باليقين بالأثر لا التعبد باليقين بالموضوع. فلاحظ.
والّذي يمكن ان يقال في وجه تقديم الأصل السببي على المسببي : هو ان الأصل السببي ناظر إلى مفاد الأصل المسببي وملغ له ، فيكون حاكما. وذلك لأن التعبد بطهارة الماء ـ مثلا ـ مرجعه إلى ترتيب آثار طهارته ومن جملتها حدوث الطهارة للمغسول به بعد نجاسته وصيرورته طاهرا.
ومن الواضح ان مرجع التعبد بالحدوث هنا إلى إلغاء الحالة السابقة وعدم الاعتناء بها ، وهذا ينافي جريان الاستصحاب في المغسول به ، لأن إبقاء الحالة السابقة يتنافى مع إلغائها وعدم الاعتناء بها. فيكون الأصل السببي ناظرا لمفاد الأصل المسببي فيتقدم عليه بالحكومة.
وبالجملة : إطلاق دليل الاستصحاب الشامل لمورد الشك السببي يمنع من شمول الإطلاق للشك المسببي.
وهذا هو معنى الحكومة في ما نحن فيه ، فلا يرد الإشكال فان الحكومة تكون بين دليلين لا في دليل واحد.
إلا ان هذا انما ينفع في إثبات حكومة الاستصحاب السببي على خصوص الاستصحاب الجاري في الشك المسببي ، لأنه متفرع على ملاحظة الحالة السابقة ، فيكون محكوما لما يقتضي إلغاءها.