من الضروريّ أنّ الذاتيّ لا يتغيّر ، والمقولات الّتي هي أجناس عالية لما دونها من الماهيّات ذاتيّات لها ، والحركة تغيّر المتحرّك في المعنى الّذي يتحرّك فيه فلو كانت الحركة الواقعة في الكيف ـ مثلا ـ تغيّرا من المتحرّك في ماهيّة الكيف
__________________
ـ عبارة عن تجدّد المقولة ، وهذا ليس إلّا نفس وجودها المتجدّد ، فهو نفس المقولة من حيث الوجود ، لا أمر ينضمّ إلى الوجود ، كما أنّ وجود الماهيّة ليس إلّا كون الماهيّة وتحقّقها لا أمر ينضمّ إليها.
وتبعه في ذلك الحكيم السبزواريّ في شرح المنظومة (قسم الحكمة) : ٢٤٥.
الثامن : أنّ الحركة عبارة عن الوجود الناعت للمقولة بمعنى أنّه يرد على المتحرّك في كلّ آن من آنات حركته نوع من أنواع تلك المقولة من دون أن يلبث نوع من أنواعها عليه أكثر من آن واحد ، وإلّا كان تغيّرا في الماهيّة ، والتغيّر في الماهيّة تغيّر في الذاتيّ وهو محال.
والتحقيق ما ذهب إليه صدر المتألّهين. وأمّا غيره من الأقوال فالكلّ مخدوش :
أمّا القول الأوّل : فأورد عليه الحكيم السبزواريّ في شرح المنظومة : ٢٤٥ بأنّه إذا كان معنى الحركة في المقولة عرض الحركة عليها يلزم منه أن يكون في التسوّد ـ الّذي هو الحركة في السواد ـ سوادا يعرضه الحركة الحركة في السواد ، فيكون هاهنا سواد مستمرّ محفوظ ينضمّ إليه سوادات متّصلة ، وهذا محال ، للزوم اجتماع المثلين في كلّ حدّ ، ولزوم تركّب السواد في كلّ حدّ من سواد مستمرّ وسواد انضمّ إليه.
وأمّا القول الثاني : فأورد عليه صدر المتألّهين في الأسفار ٣ : ٧٤ ، بأنّ الواسطة في العروض يجب أن يكون معروضا للعرض حقيقة ، وإذا لم تكن المقولة بنفسها معروضة للحركة فلا يعقل أن تكون واسطة لعروضها للجسم المتحرّك.
وأمّا القول الثالث : فأورد عليه الحكيم السبزواريّ في شرح المنظومة : ٢٤٤ بأنّ الحركة تجدّد المقولة لا نفس المقولة ، والجنس لا بدّ أن يحمل على نوعه ويتّحد به ذاتا.
وأمّا القول الرابع : فيرد عليه أنّه لو كانت الحركة مقولة مستقلّة كانت ماهيّة ، والحركة لا يخلو من التغيّر ، فيلزم التغيّر في الماهيّة ، وهو محال.
وأمّا الخامس : فأورد عليه المصنّف رحمهالله في تعليقته على الأسفار ٣ : ٧٧ بأنّ الأجناس العالية لا تختلف بالاعتبار.
وأمّا السادس : فأورد عليه في الأسفار ٤ : ٧ بأنّ الأعدام بما هي أعدام خارجة من مقسم المقولات ، فإنّ المقسم هو ما يكون من الامور الوجوديّة بالذات ، وليس كلامنا إلّا فيها.
وأمّا الثامن : فأورد عليه بعض الأساتيذ من تلامذة المصنّف رحمهالله في تعليقته على نهاية الحكمة : ٣٠٣. وحاصله : أنّ التغيّر في الوجود الناعت ـ وهو مفهوم انتزاعيّ ـ لا يعقل إلّا بتغيّر منشأ انتزاعه ، وهو المادّة باعتبار وجودها في نفسها.