وأنت خبير بأنّ البرهانين المتقدّمين المنقولين عن الشيخ والفارابيّ جاريان في صورتي التصاعد والتنازل جميعا فيما كانت السلسلة مؤلّفة من علل تامّة (١). وأمّا العلل الناقصة فيجري البرهانان فيها إذا كانت السلسلة متصاعدة ، لوجوب وجود العلّة الناقصة عند وجود المعلول ومعه ، بخلاف ما إذا كانت السلسلة متنازلة ، لعدم وجوب وجود المعلول عند وجود العلّة الناقصة.
فما ذكره (٢) ـ من أنّ معيار الاستحالة هو اجتماع اللامتناهي في جزء من أجزاء السلسلة ، وهو متأتّ في صورة التصاعد دون التنازل ـ ممنوع.
تنبيه آخر :
تقدّم (٣) أنّ التسلسل إنّما يستحيل فيما إذا كانت أجزاء السلسلة موجودة بالفعل ، وأن تكون مجتمعة في الوجود ، وأن يترتّب بعضها على بعض. فلو كان بعض الأجزاء موجودا بالقوّة ـ كبعض مراتب العدد ـ فليس بمستحيل ، لأنّ الموجود منه متناه دائما ؛ وكذا لو كانت موجودة بالفعل ، لكنّها غير مجتمعة في الوجود ـ كالحوادث الزمانيّة (٤) بعضها معدومة عند وجود بعض ـ لتناهي ما هو
__________________
ـ ثمّ قال : «أقول : هذا الفرق حقّ ، لكن ليس مؤثّرا في عدم إجراء البراهين في التنازل المعلوليّ ، فإنّ الكلام في العلل الحقيقيّة لا المعدّة ، فإذا كانت العلّة المقتضية موجودة فالمعاليل كلّها موجودة في زمان واحد وشبهه ، إذ تخلّف المعلول عن العلّة الحقيقيّة لا يجوز وإن كان وجود كلّ في مرتبة ، وإن ترتّب لها وجود ارتفع به التكثّر الرتبيّ لم تكن سلسلة ، لا في التنازل ولا في التصاعد ، وحينئذ فيجري التطبيق وغيره ، لكون الآحاد موجودة عند وجود علّتها في زمان واحد وشبهه. وليت شعري لم سكت المصنّف رحمهالله عن النفي والإثبات؟ ولعلّه سكت تأدّبا ، والله تعالى أعلم بمراد عباده». راجع تعليقته على الأسفار ٢ : ١٦٦ ـ ١٦٨.
(١) ولا يخفى عليك : أنّ تأليف السلسلة من العلل التامّة غير متصوّر ، فإنّ العلّة التامّة علّة واحدة بسيطة ، هي الواجب تعالى. وأمّا العلل الناقصة : فهي معدّات تهيّئ المادّة لفيضان الفيّاض ، وهو الواجب تعالى ، كما مرّ.
(٢) أي : السيّد الداماد.
(٣) في ابتداء هذا الفصل.
(٤) على مبنى المشّائين القائلين بالكون والفساد ، المنكرين للحركة الجوهريّة.